الجمعة 22 نوفمبر 2024 08:42 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

تقارير وقضايا

15 عاما من الكفاح.. قصة "أم 3 أبناء" على فرشة خضار

بائعة خضار في حي الحلمية
بائعة خضار في حي الحلمية

جلست كريمة صابر، المرأة الأربعينية، كعادتها على كرسيها الخشبي ذو اللون الأسود المتهالك، على الجانب الخلفي لإحدى البنايات التي تبعد بضع أمتار عن محطة الحلمية، تمتد يدها بين كل دقيقة وآخري نحو جبينها؛ ماسحة حبات العرق التي كادت تسقط على ملابسها "قاعدة تحت الشمسية والعرق بالشكل ده أمال لو فرشت الخضار تحت الشمس هيحصلي إيه!"، في تلك اللحظة كانت درجة الحرارة تقترب نحو الـ40- حسبما أعلنتها هيئة الأرصاد الجوية في الرابع والعشرين من رمضان1439هـ.

 

مع دقات السادسة صباحًا، تنهض صابر تاركة السرير الصغير الذي يقاسمها فيه صغار أبنتها الكبرى، نافضه الأحلام التي تداعبها ليلًا "دايمًا بحلم ببيت كبير وأحفادي حواليا"، مرتدية عباءتها التي تحمل لون القهوة ذو المذاق الفرنسي، حاملة حقيبة بلاستيكية في يدها اليمنى و20 جنيهًا بيدها اليسرى، قاصدة السوق الذي يبعد عن غرفتها بحي الزيتون بضع شوارع؛ لشراء "البقدونس- الشبت- الجرجير".

 

منذ 15 انتقل زوج كريمة إلى الرفيق الأعلى، تاركًا زوجة و3 أبناء، قائلة: "مات وسبني اجري على رزق العيال لوحدي"، بعد 60 يومًا من رحيله لم تجد كريمة سبيل إلا بيع الخضار أمام منزلها فمعاش زوجها الذي كان يعمل فراشًا بإحدى المصالح الحكومية لا يكفي لإطعام عائلتها أسبوعًا كاملًا "فرشت سنة قدام البيت وبعدها روحت منطقة تانية وثالثة لحد ما وصلت بعد 15 سنة للحلمية"- حسبما وصفت لـ"الميدان".

 

"كنت أيام بنام أنا وولادي في الشارع عشان مفيش ثمن إيجار الأوضة".. رغم السنوات لازالت تلك الفترة عالقة بذهن كريمة الذي بدأت الذكريات داخله تتلاشي "من خوفي على بناتي كنت أفضل صاحية طول الليل، لحد يقرب ليهم".

 

في إحدى الأيام المشمسة كان عبدالله، طفل كريمة الأوسط، عائدَا من مدرسته كعادته يلهو بالكرة التي جلبتها له والدته بعد ادخار شهور، فتروي: "العيال أصحابه سمعوه كلام مسموم ده كله عشان برجع البيت الفجر وانا بجري على لقمة عيشي".

 

رغم صغر سنه إلا أن عبدالله كان مدركًا ما تفعله والدته من أجل إطعام صغارها "ساب المدرسة من أولى ثانوي وبقى يشتغل في محلات الأكل عشان يصرف علينا"، متابعة: "كان راجل بمعنى الكلمة ووقف جمبي أنا وأخواته بس صعب أحساس الأم لما تلاقي أبنها بيضيع مستقبلة عشان يجيب فلوس يعيش منها هو وأخواته".

 

أمطار الشتاء ورياحه الهائجة كانت سببًا في هدم شمسية كريمة عشرات المرات "الشتاء البضاعة بتبوظ وبغرق مطر والأيام دي بروح مكسورة لأولادي داخلة عليهم من غير لقمة في عز جوعهم"، متابعة: "ربنا بيسترنا يوم اللاقي الجيران باعتين ليا أكل ويوم ولاد الحلال بيتصدقوا عليا".

 

على مدار السنوات الماضية، أدركت كريمة أن طفلتيها لم يعدا صغار كالسابق، بل مقبلين على سن الزواج "بقيت أصرف نص الفلوس واجي على نصيب الأكل والهدوم وأشوف عيالي هدومهم مقطعة بس حوشت للبنات وجهزتهم"، لكن حال كريمة لم يختلف عن حال أهالي منطقتها، فاضطرت أن تقبل بزوج أبنتها الكبرى وتسمح له بالعيش معهم بالغرفة بس عدة مشاكل وقعت فور الزواج بين ابنتها ووالدة زوجها "الأوضة كبيرة فيها بنتي الكبيرة وجوزها وعيالها وأنا وبنتي التانية وأبني والحمد لله ماشيين بالدعاء".

 

كلما مر الوقت، يراود كريمة حلمها الذي يصاحبها طوال ساعات عملها "نفسي أقدر أفتح محل فاكهة وخضار واشتغل أنا وعيالي فيه"، متابعة: "مكسب فرشة الخضار على أد مصاريف ولادي وأحفادي والحلم صعب يتحقق".

بائعة خضار محطة الحلمية هيئة الأرصاد الجوية أشعة الشمس