سألني صديقي باستهجان ما الذى دفعك للتخصص فى الشأن الكردي، ألم تجد سوى هؤلاء الذين يسعون لتقسيم الوطن العربي وتفتيت المنطقة للحديث عنهم، ألا تعرف علاقتهم بالكيان الصهيوني، هؤلاء خنجر فى ظهر الأمة العربية والإسلامية ؟!!
نزلت كلماته كالصاعقة على مسامعي، وقبل أن أرد عليه لم أجد أفضل من الضحك وسيلة لتخفيف حدة النقاش، وتهدئة صديقي الذى أيقنت أنه لا يعرف شيئا عن الأكراد ولا قضيتهم، نظرت إليه برفق وتودد، وبدأت الحديث عن تلك القضية التي يجهلها قطاع كبير من المصريين والعرب، لم أعنف صديقي أو أهاجمه فكنت كنت يوما مؤمنا بتلك الأكاذيب، وضحية لذلك الفكر الإقصائي الذى لا يري الأخر سوي عميلا أو خائنا.
قلت لصديقي، الأكراد ليسوا كما تعتقد أو تظن، وكونهم ليسوا عربا لا يعني أنهم ليسوا مسلمين بل ربما يكونوا أكثر تمسكا بالإسلام من كثيرين يزعمون الدفاع عنه والإنتماء له، فهم أحفاد القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي وربما يكون هذا جزء من معاناتهم وشقائهم !
بدأ الإستغراب يظهر على وجه صديقي، ونظر إليّ مستهجنا كيف تقول ذلك ، ما علاقة صلاح الدين بما نتحدث عنه، نظرت إليه ضاحكا، الغرب لا ينسي يا صديقي، والإتهامات التي وجهتها للأكراد فى بداية حديثنا، جزء من تلك الحرب التي تعرض لها هذا الشعب عبر التاريخ بصورة جعلته مجهولا لدي قطاع كبير من القاعدة الشعبية بمعظم الدول العربية يتعرض الأكراد منذ عقود لحالة من العزلة والحرب الإعلامية، فلا أحد يعلم عنهم شىء، وتكال لهم الاتهامات دون أن يسمح لهم بالرد، وتنشأ أجيال على كراهيتهم دون سبب سوي أنهم أكراد، وكل ذلك جزء من فاتورة تحرير صلاح الدين للقدس، فالغرب يعاقب الأكراد على خروج هذا البطل من بين أصلابه، ولن يسمح بتكرار ذلك، كما أن تركيا بعد سقوط الدولة العثمانية تأمرت على الأكراد، ومنعت ولادة دولتهم، وفرضت عليهم حالة من الغموض ونشرت حولهم الشائعات والاتهامات وكانت النتيجة أن تحولوا لشعب مجهول لا يعرفه أحد.
يا صديقي الأكراد ليسوا إسرائيل الثانية كما تظن أنت، وقطاع كبير ممن يسمون أنفسهم مثقفين، بل على العكس ربما تكون علاقتهم بدولة الكيان الصهيوني أقل بكثير من العلاقة التي تربط عدد كبير من الدول العربية مع ذلك الكيان.
يا صديقي إذا أخذنا نموذج إقليم كردستان كمثال على الفكر الكردي ربما تستغرب حين أخبرك أن هذا الإقليم الذى يتمتع بحكم ذاتي داخل دولة العراق يعتبر أكثر أمنا واستقرار من كثير من الدول، وينعم بسياسة لا تعرف الطائفية ولا المذهبية أو القومية تحت قيادة الرئيس الحالي نيجرفان بارزاني الذى ينتهج استراتيجية التعايش وفكر التأخي والمواطنة القائم على عدم التمييز بين المواطن الكردي الذى يمثل أغلبية سكان الإقليم أو أخيه العربي أو التركماني، وما لا تعرفه أن حكومة الإقليم ومؤسساته يتم تمثيل كل هذه المكونات بها، وحتى الأقليات الدينية مثل الإيزيديين وغيرهم يوجد لها ممثلين بدوائر الحكم بكردستان وهو أمر تفتقده الكثير من دول المنطقة وأنت بالتأكيد يا صديقي تعلم ذلك .
هل تعلم يا صديقي أن إقليم كردستان ربما يكون أحد العوائق أمام إعلان إيران سيطرتها الكاملة على العراق، فكردستان من الأماكن القليلة بالعراق التي ما زالت ترفع راية العصيان فى وجه الملالي، ورغم التدخلات الإيرانية المستمرة، ومحاولة زعزعة الإقليم، ألا إن أربيل عاصمة كردستان ما زالت عصية على أحفاد الخميني ومرتزقة الحرس الثوري بفضل إستقلالية قيادتها وساستها.
هل تعلم يا صديقي أن العرب إن كانوا جادين فى مواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة فليس أمامهم سوي التعاون مع الأكراد سواء بالعراق أو داخل إيران نفسها فهم الوحيدين القادرين على إشغال إيران بنفسها، والوقوف فى وجه المخطط الفارسي الذى يستهدف الأمة والمنطقة بشكل عام.
هل تعلم يا صديقي أن العرب إن إرادوا الوقوف فى مواجهة مخطط الخلافة العثمانية الذى تقوده تركيا بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، ويهددون به دول المنطقة وأنظمتها الحاكمة فليس أمامهم سوي التعاون مع الأكراد بشمال سوريا الذين نجحوا فى إسقاط دولة داعش الإرهابية، وما زالوا يواجهون الميليشيات الإرهابية المدعومة من أنقرة لحماية أرض سوريا الشقيقة والحفاظ على وحدتها من مخططات التقسيم التي تسعي لها قوي الشر.
قطع صديقي مرحلة الصمت، وفاجئني بقوله "كفاية يا عم" ضحكت وقلت له "يا صديقي لا تصدق كل ما تسمع أذناك، ولا تثق بكل ما تراه عيناك، ولا تنطق بما لا تعرف، ابحث واقرأ ستكتشف أن كثير من قناعاتك تحتاج لمراجعة وإعادة نظر.