حاجتنا للتأمل
د . على الحسينى
يعيشُ أغلبنا في هذه الحياة حكم العادة، فلا نلتفتُ إلى كثيرٍ مِمن يعيش معنا أو حولنا من الناس، ولا ننظر للأشياء والأمور الخاصة بنا بأسلوب وتفكير منطقي، وربما يمشي أحدنا في شارعٍ من الشوارع أكثر من مرة ولا يلتفت لمعالم الشارع أو يحاول معرفة أسماء المحلات به، وكثيراً ما تعترضنا بعض المواقف ونأخذ فيها قرارات دون نظر في عواقبها، والعادة أننا ننظر للأشياء والمواقف نظرة العابر دون التمحيص والتدقيق، ويرجع سر ذلك إلى سيطرة العادة على حياتنا، فاعتدنا النظر للأمور دون التفكير أو محاولته.
لقد تحولت حياتنا إلى عادات، وصار ارتباطنا وأمورنا الاجتماعية مبنياً على محض العادة، حتى مواطن السرور وأوقات السعادة تحكمت فيها العادات دون محاولة لإيجاد طرق جديدة تدخل السرور علينا، أو تحول حياتنا لمتعة وتشوق أكثر، وأدى ذلك إلى انتشار اليأس عند البعض في حياته، أو على أقل تقدير شيوع الملل.
والمللُ عادة ما يأتي من التداخل بين الأشياء، ووجود الشبه الكثير في الأفكار والعادات، ويقع فيه الكبار دون الصغار، فالأطفال لا يعرفون الملل ولا يعيشونه؛ لأن حياتهم متجددة، ونظرتهم للأشياء في كلّ مرة تكون بدهشة وتعجب، ولذا فإن أكثر الناس استمتاعاً بحياتهم هم من يعيشون بهذه النفس الطفولية والطريقة التعجبية، فيمتلكون القدرة على النظر في الأشياء والاستغراق فيها سواء كانت صغيرة أم كبيرة.
وينوب عن هذه النفس الطفولية الاسترخاء والتأمل في كل ما هو مرتبط بحياتك، بحيث لا تمر الحياة بك مرور الكرام، فتحاول الوقوف على كل محطة من محطات حياتك، وتعيد تنظيم أمورك وترتيبها، وتستجمع إمكانياتك، وتجدد حياتك، وتعيد نشاطاتك، وتحاول عدم إقحام نفسك في تفسير كل المواقف السيئة العارضة، أو استنتاج نتائج مؤذية لك.
ومن الأمور المساعدة على التأمل والإحساسِ بالارتياح الخلوُ إلى نفسك في مكانٍ يتسع بمساحات كبيرة من الخضرة، والجلوسُ من حين لآخر مع نفسك طويلاً مع كثرة التفكر والتأمل في حياتك وعلاقاتك، ودائماً ما يوصي علماءُ النفس بضرورة التأمل والتفكر، والترويح عن النفس بصفة منتظمة.
ويعدّ التأمل عاملاً من عوامل استقرار الحياة، وهو بمثابة إعادة لنفسك من أجل مزيد من الارتياح النفسي والشعور بالسكينة، والحفاظ على العلاقات الاجتماعية، كما أنه يؤدي إلى استعداد الشخص لبذل كثيرٍ من الجهد والعمل والنشاط مستقبلاً.