لم يكن أحد يتوقع ، أو بالأدق يتمنى ، أن تصل المفاوضات بين مصر وأثيوبيا إلى مرحلة انسداد الشرايين التي وصلت إليها بسبب تعنت أديس أبابا ووقوفها حجر عثرة أمام جميع المقترحات المصرية التي تحفظ حق مصر في مياه النيل خلال فترة ملء خزان سد النهضة .
فوفق الرؤية المصرية فإن الجدول الزمني الذي تحاول أثيوبيا فرضه سيجلب الخراب والبوار على مصر بسبب العجز الكبير الذي ستواجهه والذي يصل وفق بعض دراسات تقدير الموقف إلى خصم نحو 60% من الحصة التي تحصل عليها مصر من مياه النيل لدرجة دفعت رئيس الوزراء المصري يعترف أمام مجلس النواب بأن مصر دخلت حيز الفقر المائي .
وجاء الرفض الإثيوبي للاقتراح المصري بشأن سد النهضة ليُعمق الخلاف ، إذ يحذر الكثيرون من عواقب تأزمه قبل بدء تشغيل السد العام المقبل خصوصاً في ظل الغموض الذي يكتنف الموقف السوداني تجاه الأزمة الذي يزيد من تعقيدها ، خاصة في ظل الشواهد التي تؤكد على التقارب السوداني الإثيوبي الحالي
حيث تتحفظ السودان في الإعلان صراحة عن موقفها الرسمي من سد النهضة ، وكان من بين مبررات الخرطوم أن "سد النهضة قضية شائكة بحكم الجيرة والتاريخ الطويل الذي يجمع السودان ومصر ، إلا أن إثيوبيا قدمت وعود للسودان بمدها بالكهرباء ، وهو أمر ضروري للسودانيين وفي حاجة إليه دفعت البعض منهم للخروج في مظاهرات" .
ووفوفقا لمذكرة أصدرتها وزارة الخارجية المصرية ، فقد رفضت إثيوبيا "بدون نقاش" المقترح المصري المتعلق بتشغيل السد وقامت بدورها بتقديم مقترح بديل وصفته مصر بأنه "ينحاز بقوة لإثيوبيا ومجحف بشدة بمصالح دول المصب" .
فيما أعلنت أديس أبابا رفضها للمقترح المصري واصفة إياه بأنه "غير مناسب وانتهاك محتمل لسيادة إثيوبيا" مُعلنة أن "مصر لا يمكنها السيطرة على سدنا"، على حد تعبير سيلشي بيكيلي وزير المياه والري الإثيوبي ، ولم يذكر الوزير الإثيوبي كمية المياه التي ترغب بلاده في تمريرها لمصر، والتي تعتمد على نهر النيل لتلبية 90% من احتياجاتها من المياه العذبة ، ولكن المفاوض المصري أعلن تمسك القاهرة بألا تقل حصة مصر من المياه عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنويا فيما تقترح إثيوبيا 35 مليار متر مكعب فقط .
وحسناً ما فعلته الدبلوماسية المصرية التي سلكت جميع وسائل التفاهم ومحاولة إيجاد رؤية مشتركة وتفاهماً حقيقياً يحقق أهداف أديس أبابا في التنمية وتوليد الكهرباء ، ويحفظ في في الوقت ذاته الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل وعدم الإضرار بأمنها القومي ، وعندما استشعرت صم القيادة الأثيوبية أذانها عن الإصغاء لصوت المنطق والعقل .. أعلنت مصر وبكل قوة أنه لن يتم بناء سد النهضة على طريقة فرض الأمر الواقع ، في أقوى تلويح باستخدام كل ما يلزم استخدامه لتأمين حصة مصر من المياه وإبعاد شبح المجاعة والعطش عن مصر والمصريين .
فمنذ فجر التاريخ وكما قال المؤرخ الإغريقي هيرودوت فإن "مصر هبة النيل" وهو شريان الحياة الرئيسي بكل ما يحمله هذا اللفظ من معان ومدلولات فهو أصل أعرق حضارة منذ فجر التاريخ ، وعلى ضفافه أرست الدولة المصرية القديمة ، الممتدة منذ ما يزيد على 7000 عام ، دعائم أركانها وازدهرت مهنة الزراعة التي ينظر إليها باعتبارها المصدر الأساسي للغذاء والمواد الخام والثروة الحيوانية بل والآدمية .. لذا يدرك صانع القرار في مصر أنه لا تفاوض ولا تهاون ضد أي تهديد يمس أمننا القومي باعتبار قضية مياه النيل مسألة حياة أو موت بالنسبة لجميع المصريين .
كلمة أخيرة
لا بد من توحيد جميع الجهود والصفوف لمواجهة هذه الأزمة الطاحنة .. ففي الشدائد تتوحد العزائم ، وليس لدينا أغلى من وطننا مصر ولا من نيلنا العظيم للاستبسال في الدفاع عنه مهما كانت المخاطر أو العواقب .. فلا تفريط ولا تهاون ولا صفقات تقبلها مصر .