كانت مصر ولا زالت معروفة باهتمامها الثقافي وعنايتها بالمعرفة، ونشرها الفكر الوسطي، وسعيها الحثيث لطبع الكثير من الأعمال العلمية والأدبية، ونشر الكثير من الكتب والمؤلفات من خلال مؤسساتها؛ كالهيئة لمصرية العامة للكتاب ودار الكتب والوثائق القومية والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وغيرها.
لم يتوقف الأمر على طبع الكتب بل تجاوز لإصدار مجلات ثقافية أسبوعية وشهرية وسنوية وترجمات من لغات عالمية، وبعض هذه المجلات والأعمال الأدبية تصدرها مؤسسات الدولة، وبعضها يصدرها القطاع الخاص المعني بالثقافة ونشر المعرفة.
في هذه الأيام تستضيف مصر حدثين عظيمين، الأول: حدث سنوي ينتظره المراقبون للثقافة والمعنيون بالمعرفة في مصر وأنحاء الوطن العربي، وهو معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته الـ51، وانطلقت فعالياته يوم 22 يناير سنة 2020م، تحت عنوان: "مصر أفريقيا-ثقافة التنوع"، واتخذت من العالم العظيم جمال حمدان شخصية لها، وحلت دولة السنغال ضيف شرفها.
هذا الحدث العظيم العام يحظى باهتمام كبير من مختلف جهات الدولة وعلى الأخص وزارة الثقافة مما يؤكد لنا بوضوح أن مصر مصرة على نشر الوعي الثقافي بين شباب الوطن وأبناء الوطن العربي، وقد شهد المعرض منذ الساعات الأولى لافتتاحه إقبالاً كبيراً من عشاق الكِتاب والقراءة، ومحبي الثقافة والاطلاع.
تابعتُ بشغف الإحصائيات المبثوثة عن المعرض وأبرز المشاركين فيه، حيث بلغت عدد الأجنحة في المعرض (808)، وعدد الناشرين المصريين (398) دار نشر، وعدد الناشرين المصريين لكتب التراث (121) دار نشر، وعدد الناشرين لكتب الأطفال (75) دار نشر، وعدد مكتبات سور الأزبكية (41)، هذا بخلاف عدد الناشرين للكتاب الصوتي والإلكتروني.
والحدث الثاني هو استضافة الأزهر العظيم يومي 27-28 يناير 2020م مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي، وهذا المؤتمر يمثل جهود الأزهر وإمامه ومشايخه ومحبيه في تجديد الفكر، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، والتصدي للأفكار المنحرفة، وهو حدث تاريخي هام في سبيل الإصلاح.
ناقش المؤتمر الخطاب الدعوى عند الجماعات الحزبية، واستخدام الشعارات الدينية لتحقيق الأغراض الشخصية، ومناقشة الفكر التكفيري، ولأجله وفد إلى مصر عدد من العلماء والمفكرين، حيث استضافتهم مصر، ورحب بهم الأزهر للمشاركة في هذا المؤتمر.
ومن الكلمات النيرة لإمامنا الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب في هذا المؤتمر أن الإسلام والتجديد وجهان لعملة واحدة، وهما قادران على تحقيق مصالح العباد، كما بيّن أن التعصب لا يمثل ولا يعبر عن الإسلام تعبيراً أميناً، وشدد الإمام الأكبر على أن التيار الإصلاحي الوسطي هو الجدير بمهمة تجديد الفكر الإسلامي الذي تتطلع إليه الأمة.
فسلاماً على (مصر) التي كانت وما زالت حاضنة للثقافة والمؤتمرات، ومهتمة بالتصدي للفكر المنحرف، وبنظرة سريعة خاطفة لمؤتمر الأزهر الشريف ومعرض الكتاب الدولي سيلحظ القارئ بأن (مصر) لم تكن ولن تكون خلواً من الزعامة الدولية، وكذا من النشاط العلمي والثقافي الذي لم يتوقف لحظة في جميع مناحي الإنتاج العلمي والثقافي.