كورونا البشر
محمد يوسف
لعله لم يمر على العالم فترة من الذعر والشعور بقرب النهاية كالتي نشهدها الآن بسبب الانتشار المفزع لفيروس كورونا القاتل ، ذلك الوباء الذي وحد مشاعر الخلق أجمعين على ضرورة اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لحماية الشعوب من مصير الموت المحتوم .
وفي وطننا الغالي مصر ورغم أننا ، بفضل الله واستنفار كافة أجهزة الدولة لمحاصرة الفيروس اللعين ، في ذيل قائمة الإصابات بهذا المرض المهلك على مستوى الانتشار في كافة أرجاء المعمورة إلا أنه مازالت هناك بعض المعوقات والسلوكيات التي تهدد بزيادة أعداد الضحايا خلال الفترة المقبلة .
فالبعض لا يزال يتعامل مع هذه الأزمة بحالة لا مبالاة واستخفاف تهدد بنسف كل الإجراءات الاحترازية والوقائية التي تتخذها الدولة المصرية ممثلة في وزارة الصحة وجميع الأجهزة المعنية لكبح جماح "كورونا" .
على سبيل المثال لا الحصر ، فرغم جميع الحملات الإعلامية التي تهدف لتوعية المواطنين بعدم التواجد في نقاط الزحام فإننا ما زلنا نشاهد الآلاف يتكدسون في القطارات وعربات مترو الأنفاق ضاربين عرض الحائط بجميع التحذيرات ولنا أن نتصور لو أن هناك مصاب واحد بين هذه الأعداد الغفيرة فكيف ستكون الأحوال لو انتقلت العدوى لهؤلاء الذين سيخالطون الآلاف ويتحولون إلى قنابل بشرية لنقل الفيروس .
ملمح سلبي آخر يستدعي وقفة حاسمة يتمثل فيما نراه في الأسواق الشعبية والمراكز التجارية خلال فترة السماح بالتجوال حيث نلاحظ تكدس رهيب على شراء السلع الغذائية والتموينية ومنتجات اللحوم بكافة أنواعها بل والأدوات الطبية والمطهرات بما فيها الكحول والكلور والكمامات ، مما يحمل عدة مخاطر لا يعلم مداها إلا الله بداية من احتمال أن تتحول هذه النقاط إلى بؤر نقل العدوى ، بخلاف المساهمة في نقص بل وربما اختفاء بعض السلع ما يسهم في رفع أسعارها بصورة جنونية وهذا في حد ذاته تحد خطير يواجه أي حكومة مهما بلغت من القدرة على التعامل مع مثل هذه أزمات .
وبطبيعة الحال فإننا إزاء هذه الحالة نفاجأ بجشع بعض التجار ومحتكري السلع الذين يستغلون الأزمة على أسوأ ما يكون لتعطيش الأسواق وبيعها بأسعار جنونية ويكفي أن نعلم أن أسعار اللحوم البيضاء والحمراء قد شهدت قفزة وصلت في بعض المناطق إلى 50% ، هذا مع الوضع في الاعتبار أننا لم نصل بعد إلى شهر رمضان المبارك الذي من المرشح أن تقفز الأسعار خلاله بصورة أكثر جنونية خصوصاً في ظل حالة الانعزال المفروضة على جميع المطارات والموانئ مما يعني أنه لا يمكن استيراد أي سلع من الخارج في القريب العاجل وبناء عليه لا بد من الحفاظ على الأرصدة الحالة من السلع بالأسواق حتى لا نجد أنفسنا أمام مجاعة حقيقية .
وفي واقع الحال فإن مثل هذه الأزمات ، وغيرها مما لم يتم رصده ، تساعد بصورة خطيرة على تعميق الأزمة وهذا يتطلب تكوين غرفة عمليات على الأرض تتضافر جهودها ما بين المؤسسات الحكومية من جهة والمواطنين من جهة أخرى ، فجميعنا يدرك تمام الإدراك أن الظروف التي تمر بها بلادنا ، بل وجميع البلدان ، صعبة بل في غاية الصعوبة لكن في المقابل يجب أن تتحلى سلوكياتنا بالمسئولية والاحتمال أكثر من أي وقت آخر ، مع تفعيل دور كافة الأجهزة الرقابية والتنفيذية لضبط مصاصي الدماء والمتاجرين بآلام المستهلكين الذين يسيئون استغلال الأزمة للتربح على جثث الضحايا والضرب بيد من حديد على جميع المحتكرين والمتلاعبين بالأسعار قبل أن نواجه السيناريو الأسوأ .