أساتذة عبد الله بن سلول
د . محمد محمود
عبد الله بن أبي بن سلول زعيم النفاق ورافع لوائه ، صاحب الإمتياز في إخراج ظاهرة النفاق الي الوجود، فلم يكن الناس قبل ذلك إلا مؤمناً صادق الإيمان أو كافراً مجاهراً بجحوده وكفره، فأضاف إبن سلول طريقاً ثالثا ً أخطر من الشرك وهو الكفر الخفي ؛ ليعمل علي هدم الإسلام من الداخل ويقضي علي تلاحم أبنائه وتماسك جموع أفراده ،فقظ تفنن في صنع الافتراءات واختلاق الفتن وشن الحروب النفسية والمؤامرات التي حاكها ،فنزل فيه آيات كثيرة منها قول الله تعالي " إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ".
وعلى الرغم من محاولات عبد الله بن سلول كتمان غيظه وبعضه للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أن فلتات لسانه كان تفضح حقيقة مشاعره الدنيئة والحقيرة كقوله لمن حوله من المؤمنين" لا تنفقوا علي من عند رسول الله حتي ينفضوا" وقوله تعريضا بالنبي صلى الله عليه وسلم" لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ" ، ولما مات عبد الله بن سلول شفع له ابنه عبد الله بن عبد الله بن سلول عند النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفنه في قميصه ويصلي عليه ليغفر الله له، إلا أن الله سبحانه وتعالى لم يقبله ونزل قول الله تعالي" سورة التوبة - الآية 80
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" ،بل لقد نهي الله سبحانه تعالى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه ولا علي أحد من المنافقين ،فقال تعالي" وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ"،ولعظم وخطورة هؤلاء المنافقين علي الإسلام قال الله تعالى"إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ".
وبعد مرور أكثر من ١٤٠٠عاما علي موت رمز النفاق عبد الله بن سلول، اخذ النفاق ينمو ويتطور حتي وصل إلي ذروته في عصر التقدم العلمي والتكنولوجي ،فلم تعد صفات المنافق إذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد اخلف، وإذا خاصم فجر فحسب، بل صار متآمر، وصولي،متسلق، متملق، حقود وحسود يكره الناس جميعاً، بغيض لا يعرف الإخلاص الي قلبه طريق ، يتلون حسب مصلحته ،الخيانة تسير في شرايينه مجري الدم ، يفتقد الي الحكمة والخبرة ،كل ما يشغله الصراعات وتصفية الحسابات ونشر الفتن والشائعات وتلفيق الإتهامات، يتملكه الإحساس بالنقص في كل شيء، لذلك يسعي لامتلاك المال والسلطان مجتمعان ، لا يكتفي بمنصب واحد ، بل يريد أن يحصل علي كل المناصب والألقاب العلمية والوظيفية في وقت واحد .
لقد بات عبد الله بن سلول تلميذاً غير نجيباً بمدرسة هؤلاء المنافقين المتجددين الذين انتشروا بين جنبات مؤسسات الدولة، فقد تفوقوا علي عبد الله بن سلول في الكفاءة والإتقان في ارتداء أقنعة الإخلاص والوفاء والنقاء والصفاء والإبداع والجد والاجتهاد بأسلوب مهذب ولطيف ، وهو في الوقت ذاته يحيك الدسائس والمؤامرات والفتن والشائعات المغرضة ، يمتلك أساليب الخداع والمكر والكذب والغش ،مع مصلحته أينما كانت ، صدق فيهم قول الله تعالي"وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ"، ووصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله" تَجِدُونَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ" وكذلك قوله " مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ؛ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً " .