الجمعة 22 نوفمبر 2024 08:06 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

اختفاء ضياء رشوان نقيب الصحفيين

عبد الرشيد مطاوع

أراه من بعيد يجلس قرفصاء على سلم نقابة الصحفيين، ألمح فى نظراته انكسارا وقد بدا على وجهه الهَمْ والحزن، يرفع فى ضعف لافتة صغيرة مكتوب عليها «إنى أحتضر..التوقيع صحفى».. كلنا هذا الرجل .

السنوات الماضية لم تكن فى صالح وضع الصحفى على الإطلاق،أزمات عديدة واجهت أعضاء نقابة الصحفيين على حد سواء، وإن تضاعفت الأزمات فى ساحة صحفيى الصحف المستقلة مما زاد من أرقهم وكبتهم فى ظل بعض القيادات غيرالسوية بمؤسساتهم الخاصة، يعانون من الشيزوفرنيا ويدمنون ممارسة سياسات قمعية، هؤلاء القيادات مرضى التسلط والمركزية لا يقبلون إلا بالطاعة لأوامرهم،صوتهم فقط هو الأعلى ومن يخالف فمصيره الطرد من رحماتهم التى هى فى الواقع عذبات وجمر ومحارق للنفس أبشع من محارق النازية فى زمن هتلر.

أزمة الأجور والمرتبات كانت الأهم بين الأزمات التى اشتعلت نيرانها فى الصف الصحفي خلال العامين الماضيين، وتصدرت المشهد الأخير وما زالت متصاعدة، كما لو كانت وجعا جرحه يرفض أن يلتئم . على خلفية الأجور سقطت أشياء كثيرة من ورق التوت الذى يستتر به الصحفي فى فترة حرجة تعرّت فيها أمور أخرى بفعل الغلاء والبلاء ومتغيرات اقتصادية انعكست على بنكنوت الصحفي، المعروف بـ«الراتب الشهرى» الذى أصيب بالأنيميا الحادة أمام متطلبات أسرية فاقت كل احتمالاته وطاقاته، دون أن يملك إلا التألم الصامت والمكتوم خوفا من تسربه إلى أفراد أسرته وزيادة وجعهم .

أظن أن الوضع الصحفي لم يتأثر كثيرا للصحفي داخل المؤسسات القومية التابعة للدولة، الدولة تساند الصحفي الحكومي، تدعمه، تؤازر مؤسسته، تجدول ديونها، تحافظ على مرتبه الشهري دون المساس به، هو ابنها الشرعى، عكس حال الصحفي فى الصحف المستقلة . الدولة تركت الصحفي المستقل للقطاع الخاص فريسة سهلة ينهش فيه، يقطعه بسكين بارد، يخفض أجره، يهدده بالطرد، ومرات يزيد من ضغطه ليسلب حريته حتى صار لا يجرؤ على أن يرفع وجهه فى وجه قاداته ودائما مطاطئ الرأس، منكسر، لا ينطق إلا بـ«حاضر»، فيما زاد سقف الانكسار من جانب البعض من الصحفيين الباحثين عن الرضا وطوق نجاة فى تلك المؤسسات الخاصة، حتى وصل بهم الأمر إلى أعلى درجات النفاق وإعلان فروض الطاعة العمياء لقاداتهم ، عبر هذا الانحناء: "أؤمرنا يا كبير ..احنا مسمار فى نعل جزمة سعادتك " .

اقرأ أيضاً

هى نفس الدولة ،دون أن تشعر جعلت من الأشخاص الذين يجلسون على قمة تلك العزب المستقلة «دراكولات» يمتصون الدم الصحفي، يشربونه فى كاسات على موائد إفطارهم كل صباح فى صورة أقرب إلى التلذذ بتعذيب صحفيى مؤسساتهم، أذكر مؤسسة صحفية خاصة عمرها لا يتجاوز العشر سنوات ولدت ضعيفة وصارت فى لحظات وبطرق ملتوية «إخطبوط» عبر مالكها الذى يجيد استقطاب التمويل الخارجى لها ،عبرمواسير ضخ سرية ومشبوهة، هذا المالك تحديدا مارس كل ألوان الضغوط النفسية على الصحفيين فى غياب الدولة والنقابة، حتى نجح فى خفض المرتبات إلى التلثين فى وقت كانت الرئاسة تلزم الجميع بما فيهم القطاع الخاص بعدم المساس بالمرتبات، لكن سطوة هذا «الدراكولا» كانت الأقوى، خَفّض المرتبات وسرّح العشرات من الصحفيين تحت مبرر كورونا مع ادعاءات كاذبة أن الوضع لا يسمح، فى المقابل خرج بتصريحات مضللة أنه ملتزم بتوجيهات الرئاسة فيما يخص الحد الأدنى من الأجور، لكن الواقع مأساة. لا أحد يراقب هؤلاء الذين يتحكمون في مصير أكثر من 4000 صحفي، لا أحد يتابع تلك العزب الصحفية المستقلة التى تعمل بمنأى عن سطوة ورقابة الدولة، هى فقط تهتم بنشر ما تنشره الصحف القومية من أخبار حكومية فى محاولة للتواري والتستر ونفاق النظام، لكن داخل جدرانها تنطق كُفرا، وتفعل ما تفعله فى الخفاء بحق صحفييها، حتى انتهى بهم الوضع إلى ما تحت الصفر فيما يتعلق بمرتباتهم، انظروا إلى وضع «صحفي الديسك» تحديدا داخل هذه المؤسسة الخاصة التى أتحدث عنها، وراجعوا أجره الذى انخفض إلى أرقام هزيلة ويعامل معاملة "السُخرة" .

مين صحفي الديسك ده؟ صحفي الديسك ده هو «البامبرز» الذى يمتص رواسب الكتابة الصحفية داخل كل مؤسسة، هو الفلتر، هو المُحسن للكتابة الصحفية، هو صانع العناوين، هوطباخ الحلو للجُمل الصحفية، وطباخ معظم ما ينشر ويقرأ، هو أيضا الجندى المجهول خلف الستار والسنيد للكثيرين من القيادات الصحفية «البليدة» صاحبة الإمكانيات المتواضعة، هو العنصرالأهم داخل أى جورنال أو موقع إلكترونى، هو رئيس التحرير إن جاز التعبير، الذى بيده صلاحيات أن يقول: «هذا الموضوع الصحفي يصلح للنشر أو هذا مكانه سلة المهملات»، هذا الديسك انهار الآن وحين يشكو متوجعا يأتيه الرد: «إن كان عجبك ».

دكتورمحمد معيط، وزير المالية، كان يتحدث قبل أيام وبحماس عن الإصلاح المالى داخل المؤسات الصحفية الخاصة، لكن لم يشرح لنا كيف يجبر تلك المؤسسات على طاعة الدولة وإقرار الإصلاح الذى يتحدث عنه . مجرد كلام خرج عن «معيط» قوبل باستهجان من الصحف الخاصة، والحل..؟ الحل، قد يكون فى نقابة الصحفيين، لا ننكر، أن النقيب عليه أعباء، ومشفق على نقيبنا القدير الدكتور ضياء رشوان، هو لم يختفِ طوال العامين الماضيين عن الهَمْ الصحفي كما يزعم البعض، رشوان كان يحارب الخفافيش داخل بعض المؤسسات الصحفية الخاصة التى تريد أن تشعل فتنا صحفية، تسعى لشحن صحفييها بخفض المرتبات والتهديد بالطرد، تحاول تصدير لغم شديد الانفجار والخطورة فى وجه الدولة.

أكررالشفقة على «رشوان» أو القادم إلى كرسى النقيب فى دورته الجديدة، وسبب الشفقة هو «الهَمْ الصحفي» الذى يتضاعف والتحديات التى تتزايد بدءا بوضع الأجور الصحفية داخل الموسسات الخاصة والقومية والحزبية، مرورا ببطالة قطاع كبير من الصحفيين، أظن أن نقيب الصحفيين فى حاجة ماسة إلى دعم حقيقي من الدولة .

إن الدعم الصحفي بزيادة البدل 20 % ليس كافيا، أرى أن يكون هناك اقتراح بمشروع قانون من جانب نقيبب الصحفيين ويقدم للبرلمان، يضمن حياة كريمة للصحفي، يحفظ أجره داخل مؤسسته، ويحميه من الضعف أمام إغراءات الخفافيش السوداء التى تحاول أن تصطاد فى الماء العكر باستقطابه، والضرب على وتر حاجته وتدني دخله، لكن الجماعة الصحفية لا أستثني أحدا، جميعهم من الشرفاء الذين لا يبيعون الوطن مهما كانت الإغراءات ومهما كان ضعف الدخل الشهري، ومهما كان حجم وجعهم ودائما وأبدا يرددون: "نثق فى الدولة وأن الفرج آتِ " .

أظن أن الدولة قادرة على مواجهة الفقر الزاحف على الجماعة الصحفية، بفعل صحف ورقية توارت فى ظل فضائيات التهمت كل الإعلانات، وجوجل سرق ما تبقى منها، دون ما يبقى للمؤسسات الصحفية الخاصة والقومية ما يمولها ويرفع من الشأن المالى للصحفى .

أثق فى حب الرئيس لهذا الوطن وشعبه بكل طوائفه ولا أزايد إذا قولت : «نحن الجماعة الصحفية نبادله هذا الحب ونثق فى قيادته الحكيمة لشئون الحكم والبلاد، لذا أطلب من سيادته أن يتدخل سريعا وأن يوجه بدراسة الوضع المالي للصحفيين، خاصة داخل المؤسسات الخاصة والحزبية ويلزم بإعادة هيكلة الأجور وتحسين المرتبات من منطلق الحد الأدنى لحقوق الإنسان .

أكرر، لا أحد يزايد علينا فى حب وطننا الغالى ودعمنا لاستقراره ونظامه وعشقنا للتراب وجيشه، لذا حين نطلب من الدولة دعم الصحفى فلا نعتبر الأمر مقايضة، بل هو حق لنا وواجب على الدولة المساعدة لجبهة أظن أنها مهمة فى هذا الوطن، أعتبرها قوى أخرى ناعمة تواجه مع الدولة خفافيش الإرهاب التى تسعى للنيل من استقرارالبلاد، حفظ الله الوطن .

انتخابات الصحفيين نقابة الصحفيين الصحفيين ضياء رشوان نقيب الصحفيين أوضاع الصحفيين