”الطيب والخشت”.. أيهما يُجدد ومن يَدعي؟
محمد الغريب
انتصارات صغيرة أو كبيرة أو مزعومة دفعت أستاذ فلسفة الدين -كما يحبذ أن يعرف نفسه ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت لأن يعلن عن سجوده شكراً وحمداً وثناءً في تلميح واضح لمن قلبوا الدنيا ابتهاجاً بما يحدث بالسعودية من قرارات التجديد المعمول بها في مصر منذ قرون بعيدة، ورغبة في تحويل لقاء تليفزيوني رمضاني إلى نصرٍ مؤزرٍ، فالخشت الصامت منذ عام ونصف وبالتحديد منذ أواخر يناير من العام الماضي نتيجة ظهوره الباهت والعاجز في مؤتمر الأزهر "الأشاعرة" عن التجديد في الفكر الإسلامي وجد ضالته أخيراً وهو يودع رئاسة واحدة من أعرق جامعات العالم في أن يقول بتراجع رأس الأزهر انصياعاً لفكره.
مزاعم وتأويلات ورغبة في الإمساك بأي طرف يمكنه من الانتصار لرأيه في قضية التجديد وكأنه هو من أجبر ولي العهد السعودي على مراجعة أفكار الوهابية والتي بدأت لأسباب ظاهرة وباطنة منذ سنوات، وأنه صاحب الصحوة الأزهرية المعاصرة -التابعة على حد زعمه وزعم مؤيديه لبلاد الحرمين الشريفين، فكانت أولى المزاعم في أن التجديد ليست كلمة دارجة في أروقة الأزهر جامعاً وجامعة، بل إنها ليست من قواميس العرب والمسلمين على حد كانت إضاءاته مشرقة كي تضاف، وثانيهما أن "الطيب" قد تراجع عما قاله في مناظرة علت فيها أصوات الحكمة والتأصيل عن تغريب لا يدرك ما للشرق المسلم من تأريخ وحضارة لن ينفك الغرب عن إنصافه ولو بفتات القول عن التسليم بفضله فيما آلت إليه النهضة الحديثة، فكان الجواب تفرقة عظيمة بين التجديد وبين الإهمال والترك.
ورغم ما سببته الحلقة الثامنة عشر من برنامج «الإمام الطيب» الرمضاني، من صيحات تهليل وتكبير وحمل على انتصارات وفتوحات عظيمة نتيجة قول الإمام: "إن الدعوةَ لتقديسِ التراثِ الفقهيِّ، ومُساواتِه في ذلك بالشريعةِ الإسلاميَّةِ تُؤدِّي إلى جُمودِ الفقهِ الإسلاميِّ المعاصر، كما حدث بالفعلِ في عصرِنا الحديثِ؛ نتيجةَ تمسُّك البعضِ بالتقيُّدِ -الحرفي- بما وَرَدَ من فتاوى أو أحكامٍ فقهيَّةٍ قديمةٍ كانت تُمثِّلُ تجديدًا ومواكبةً لقضاياها في عصرِها الذي قِيلَتْ فيه، لكنَّها لم تَعُدْ تُفيد كثيرًا ولا قليلًا في مُشكلاتِ اليوم"، فجعلت الشيخ ناقماً على التراث ومؤيداً للخشت ساعياً لهدمه كما سعى الأخير وهو اجتزاء وفهم خاطيء تماماً.
فالشيخ رغم إزاحة التقديس -وهو من البديهيات في ديننا الحنيف- لم يكن يوماً إلا مشيداً باجتهاد الفقهاء والعلماء القدامى والانتفاع بما يناسب زماننا وعاصرنا فسبق إبان مناظرته مع أستاذ فلسفة الدين أن قال: "كنت أود أن كلمة تلقى في مؤتمر عالمي دولي وفي موضوع دقيق وهو التجديد، أن تكون معدة سابقًا ومدروسة، وليس نتيجة تداعي الأفكار والخواطر، قلت كرئيس للجامعة إن التجديد هو مثل أن تُجدد منزل والدك دون أن تسكن فيه.. هذا ليس تجديدًا هذا إهمال وترك وإعلان الفُرقة لبيت الوالد.. التجديد في بيت الوالد يكون في بيته، ولكن أعيده مرة أخرى بما يناسب أنماط العصر"، إذاً فكلاهما يؤمن بفكرة تخص التجديد لكن مع الفارق بين ما يراه بناء على القديم دون هدم وآخر يراه هدم ثم تشييد آخر يناسب الحداثة في إهمال وترك وإنسلاخ من عباءة الأقدمين وتمرد على ما تركوه في وقت يسلم بما تركه فلاسفة وعلماء الغرب ونقله والتسليم به دون مراجعة أو نقد لصاحبه وكأننا أمام نوعين من البشر يراد لأحدهما نزع التقديس ليوسموا بأبشع الصفات وأقذر الألفاظ كما يفعل البعض، وآخرين ملائكة ورسل هبطوا بوحي لا يزل حتى قيام الساعة.
اقرأ أيضاً
- شيخ الأزهر: العاشر من رمضان سيظل تاريخًا محفورًا للتعبير عن العزة والكرامة
- شيخ الأزهر ينعى الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد: أثر في الحياة الفكرية بمصر
- مفتي الجمهورية: قيمة زكاة الفطر هذا العام 15 جنيهًا كحدٍّ أدنى لكل فرد
- شيخ الأزهر يهنىء الأمتين العربية والإسلامية بمناسبة حلول شهر رمضان
- الخشت : رفع الاستعدادات بمستشفيات جامعة القاهرة خلال شهر رمضان
- فتاوى تشغل الأذهان .. هل ترتبط زكاة الفطر بوقت معين في رمضان؟.. «الإفتاء» تجيب
- شيخ الأزهر يوجه بمضاعفة الإعانات الشهرية خلال شهر رمضان
- رئيس الوزراء يهنئ شيخ الأزهر بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم
- منطقة الأزهرية تجرى التصفيات النهائية لمسابقة ” شيخ الأزهر” في حفظ القرآن الكريم
- شيخ الأزهر: الأم هي تجسيد لأسمى معاني الحُبِّ والعطاء والتضحية والوفاء
- شيخ الأزهر لسفير ألمانيا: قلقون من تصاعد الأنشطة العدائية لليمين المتطرف في أوروبا
- شيخ الأزهر يزور العراق قريبا
ولست هنا لسرد تاريخ المسلمين في التجديد ومنهم المؤسسة الأشعرية التي سرد الإمام الأكبر بعضا من علمائها كالإمام محمد عبده والدكتور محمد يوسف، وجزم بأنه مقولة تراثية حيث قال الشيخ في ذات المناظرة:" هذا التراث الذي نهون من شأنه اليوم خلق أمة كاملة وتعايش مع التاريخ، وتصوير التراث بأنه يورث الضعف والتراجع هذا مزايدة عليه، ونحن نحفظ من الإمام أحمد بن حنبل ما يؤكد أن التجديد مقولة تراثية وليست حداثية، والحداثيون حين يصدعوننا بهذا الكلام هم يزايدون على التراث ومزايدين على قضية الأمة المعاصرة الآن، والتراث ليس فيه تقديس، وهذا ما تعلمناه من التراث وليس من الحداثة".
إذن فنفي التقديس عن التراث مقالة سبق إليها الإمام الأكبر دون انتظار لعام ونصف كي يقر بها بل إن مؤتمر الأزهر كان قد سبقه حديث خلال مؤتمر الأوقاف "ضرورة التجديد"عام 2001، ثم تلاه جلسة تحضيرية عام 2013 كان من بين حضورها المجدد الأعظم الدكتور محمود حمدي زقزوق رحمه الله، كما أن رؤية الإمام الأكبر عن التجديد لم تتبدل كي يحملها الخصوم على انتصارات وأجندات للنيل من الأزهر وتحقيق انتصار واهم، فنحن أمام إمام سبق وحسم كلا الأمرين في كثير من لقاءاته ولكم مراجعة مؤتمر الأوقاف الدولي عام 2015 بالأقصر عن التجديد أيضاً، وأما عن حمل حديثه عن السنة بأنها ثلاثة أرباع الدين وأنه دفاع عن التراث وتقديسه ينبغي أن يراجع مرة أخرى فالحديث يعود إلى العام 2018 وهو حديث كره من كره ينطلق من سند شرعي في حجية السنة فالمولى عزوجل القائل:" وما ينطق عن الهوى"، "ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتبهوا" .
ورغم أن حديث الشيخ قد انطلق مطلع رمضان الجاري في تسجيلات قبل الشهر الفضيل إلا أنه حُمل على التبعية مع حديث كبار العلماء بالسعودية على أجازة إخراج زكاة الفطر مالاً قبل يومين وكأنها محاولة لخلط الأوراق والغمز واللمز، ونصيحتي لمثل هذا التيار:" رفقاً بأنفسكم، فلسنا في صراع الأصالة والإنسلاخ، فما بين حديث العَالِمين بون شاسع لا مجال للتأييد المطلق فيه بقدر ما يتطلب العناية والفحص والقراءة الجيدة لما بين السطور، فنحن في أمس الحاجة إلى أن يكون منهج التطوير والتجديد مبنياً على أسس من انتظام معايير القيم والأصالة وما امتاز به الشرق من خصوصية زادت باصطفائه لأن يكون منبعاً للأديان وخاتماً لرسالتها ظاهراً على سائر العادات والتقاليد والأعراف التي تربى الغربيون والشماليون والجنوبيون في مناحي الكرة الأرضية عليها.