الجمعة 22 نوفمبر 2024 09:10 صـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

هناء شلتـوت تكتب: جزء من النص مفقود

إن المرء توَّاقٌ إلى ما لم ينل، هكذا يحاول البعض استكمال نواقصهم بالتوق إلى "قشة" قد تمكنهم من نيل أهدافهم على حساب الآخرين، يحرفون الكلم عن مواضعه من أجل تحقيق مآربهم، فعلى غرار الرسالة المزعجة الأشهر "جزء من النص مفقود" التي ارتبطت في أذهاننا بعصر الهواتف المحمولة المتواضعة تكنولوجيا، والتي كانت لا تستطيع استقبال رسالة كاملة، يأتي تفكير البعض، وأقصد بذلك الجزء المفقود هو "الفهم" أو حتى "محاولة الفهم"، وإذا أمعنا الدقة والتحديد فأنا اليوم على موعد مع معترك من الطراز الثقيل، أتحسس دائما الولوج نحوه وأقصد هنا "معترك المرأة والرجل".

فقبل يومين حدثتني إحدى الصديقات، عن تصريح لأحد الفنانين الذي تفتق ذهنه وأدلى بدلوه في مسألة "عمل المرأة"، حيث قال خلال أحد البرامج التلفزيونية إنه لا يفضل خروج السيدات إلى العمل، حتى يوفرن عملا للرجال بدلا من تعرض المجتمع الذكوري للبطالة، ثم أمعن في وجهة نظره قائلا: "لو الست مش مضطرة إنها تنزل الشغل متشتغلش، لأن نسبة البطالة عندنا عالية والشباب ماليين الشوارع، وعندنا ستات موظفات ومدام مديحة اللي في الرابع، لو قعدناهم في البيت ونص مرتبهم يضاف على مرتب جوزهم اللي شغال في وظيفة ثانية هندي فرصة للشباب يشتغلوا، ومفيش ست تقول للراجل أنا بشتغل زيي زيك".

إلى هنا قد تبدو تصريحات هذا الفنان مكررة وقد تأتى متوافقة تماما لآراء الكثير من الرجال في المجتمعات الذكورية، إلا أنه قد أبى أن ينهى تصريحاته إلا بوضع لمسة جديدة قائلا: "لو الست شغالة ورفضت تساهم في مصاريف البيت الراجل المفروض يجبرها على إنها تبطل شغل"!.

وعلى ما يبدو أن ضحالة الفكر والفهم الصحيح للنصوص الدينية التي أكدت على أن للمرأة ذمة مالية منفصلة عن زوجها، قد سيطرت على عقل الفنان الشهير، مثلما سيطرت على الكثير من أقرانه، الذين تجدهم يرددون دوما "الرجال قوامون على النساء"، "النساء ناقصات عقل ودين"، "الشرع حل لي أربعة"، وغيرها من الآيات القرآنية والمسائل الشرعية التي يتعمد البعض دوما اجتزاءها من سياقها لخدمة فكر ما، حتى أصبح اقتطاع النصوص الدينية من سياقها عادة في مجتمعنا رسخت لدى البعض فهما خاطئا للدين، ومن ثم فهما خاطئا لحقوق المرأة في الإسلام.

اقرأ أيضاً

وعود على بدء لتصريحات الفنان الشهير الذي اتهم النساء بالوقوف في طريق عمل الرجل وارتفاع نسبة بطالتهم، فبالرجوع إلى الإحصائيات والدراسات نجد أن المرأة تستحوذ على رقم كبير في نسبة البطالة بالوطن العربي.

وعلى خلاف مزاعم البعض، نجد أن بعض الرجال يقفون كحجر عثرة في طريق تمكين النساء اقتصاديا في أبسط الأمور وأقل الحقوق، مثل حرمان المرأة من الميراث خاصة في مناطق الريف والصعيد، وحرمانها أيضا من حرية التصرف في ذمتها المالية، فتجد بعض الأزواج يتعاملون مع الذمة المالية لزوجاتهم باستباحة شديدة فما دام أنها تعمل فإن ذلك يفرض عليها التكفل معه بمصاريف المنزل، كما يري- الفنان الشهير-، بل أحيانا تتكفل النساء بالأمر كاملا، في حين يرتكن بعض الأزواج إلى مبررات واهية لعدم العمل والتكاسل عن أداء دورهم الطبيعي بالإنفاق على الأسرة.

فيما يتعمد البعض حرمان المرأة من أمر منحها الدين حرية التصرف فيه، بأن يمنعها من التصرف في مالها، أو يأمرها بأن تتصرف فيه على وجه خاص، على الرغم من أنه ليس له ولاية على مالها، حيث يقول المولى جل وعلا في كتابة العزيز: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ﴾ [النساء: 34)، فقد فضل الله تعالى الرجال على النساء في أمور، وفضل النساء على الرجال في أمور أخرى، حيث عقب المولى عزل وجل بقوله: «وبما أنفقوا» ليدل على أن النفقة حق من حقوق المرأة على زوجها.

كما يمنع البعض الآخر زوجاتهم من العمل، ركونا إلى فتاوى متشددة تمنع اختلاط المرأة بالرجل، في حين أن لنا في رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- نموذجا وقدوة، حينما تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكانت صاحبة حسب ونسب، وكانت أيضا من أثرياء مكة، ولها تجارتها ومالها، ولم نسمع قط عن حرمان الرسول لها من ذمتها المالية أو تجارتها يوما ما.

ومن ثم أصبحنا بحاجة إلى تفسير جيد لمضمون تلك المفاهيم ومبتغاها، فإلى متى سنظل متلقين لا متعقلين؟! يصلنا خبر فنبني عليه حكمًا، نردد نصوصًا ولا نفهم مبتغاها، نحدث جدلا اجتماعيا دون الركون إلى أهل الخبرة والعلم المعتبرين.
ولأن دين الإسلام هو دين سلام وحب ووئام ومساواة وإنسانية، دين لا يقبل التشدد والغلو أو التطرف والكراهية، فقد أصبح من الأهمية بمكان إعادة فهم نصوص الشريعة جيدا واعتماد مرجعية من أهل الاختصاص والذكر، حتى لا يتجرأ الجهال على دين الله وخلقه لتلبية أغراض بعينها، أو الحط من قدر المرأة، وهو الأمر الذي بات يشكل صورة نمطية ضاربة في عمق المجتمع العربي.

فلا توجد من بيننا نحن معشر النساء من تطلب المستحيل، فجميعنا تريد حياة بسيطة هادئة، دائرة من حب تبعث بالدفء والأمان، ولا شك في أن أرواحنا جميعا "رجال ونساء" تطلب النجاة من معتركات الحياة بعيدا عن التجرؤ على الدين واجتزاء نصوصه بما يفسد علينا سلامنا النفسي والاجتماعي معا، لذا فقد بات على كل من منا القيام بعمل "تحديث" لهذا الجزء المفقود من نصه، وأخيرا "فسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون".

وللحديث بقية...

جزء من النص مفقود النصوص الدينية النساء المرأة الرجل الذمة المالية القوامة مساواة تشدد هناء شلتوت الميدان