هناء شلتوت تكتب: ”الشنطة فيها كتاب دين”
في المدرسة قد لا يعلمونك كيف تحب الآخرين، وقد لا يعلمونك كيف تكون متسامحا معهم، لا يعيرون كيفية التخلص من قيود الأفكار النمطية التي فرضها عليك المجتمع اهتماما، ولم يعلموك كيف تقرأ أفكار الآخرين وتتعاطى معها، ولا ماذا تقول لشخص محبط، وماذا تفعل إن تقاطعت أفكارك مع أفكار هؤلاء أو أولئك، إنهم فقط يهتمون بترسيخ فكرة واحدة في ذهنك وهي: "الشنطة فيها كتاب دين"!، هذه الجملة التي حفظناها جميعا عن ظهر قلب في المدرسة منذ نعومة أظافرنا.
كانت هذه الجملة بمثابة حيلة للهروب من أي مواجهة والاحتماء بالحقيبة التي بداخلها كتاب الدين، وهي الحيلة التي تضمن كسب أي معترك دون عناء يذكر لمجرد وضع كلمة الدين في جملة مفيدة.
هكذا جرت علينا تلك الثقافة التي رسختها أنظمة تعليمية على مدار عقود عدة، بلاءً فكريا عند التعامل مع كل قضية مجتمعية تحدث، وزرعت لدى الكثيرين وهمًا يختصر الدين في كونه حائط صد ضد إِعمال العقل والنظر لنوازل الدهر، أو التعاطي مع مستجدات الواقع، نعم احفظ النص جيدا واحفظ معه كتاب الدين في حقيبتك وعلق كافة سلوكيات من حولك على تلك الشماعة المهترئة.
فقد أفرزت لنا تلك الثقافة عقولا فارغة وأجيالا لا تفتح كتاب الدين من الأساس، باعتباره مادة لا تضاف إلى المجموع، والأمر نفسه أدى إلى إحجام أولياء الأمور عن الاهتمام بتدريس مادة التربية الدينية بشكل لائق ومن ثم أصبح كل فكر الطلاب عن الدين أنه كتاب مقدس فحسب، ومجرد ذكره يجنبهم خوض المعارك والنقاشات.
اقرأ أيضاً
- رئيس سلامة الغذاء يلتقي الملحق التجاري بالسفارة السعودية لبحث سبل تعزيز التعاون التجاري
- في بيتنا ”مونيكا”.. حكاية منزل سكندري تحول إلى قِبلة لمشاهير العالم
- المؤسسة الإسلامية وبنك التصدير والاستيراد السعودي يوقعان اتفاقية لتمويل بنك القاهرة ب 25 مليون دولار
- ”تعايش أهل الحتة” و ”عمارة 5” .. أيادي ومبادرات واجهت تصدع السلم المجتمعي
- هناء شلتـوت تكتب: جزء من النص مفقود
- بالفيديو.. سمر كشك: بعض الأمهات سبب توتر الطلاب في الامتحانات
- بشأن التعاون بين الجامعات.. توجيه عاجل من وزير التعليم العالي
- المنتدى الاقتصادي العالمي يختتم أعماله في الرياض بدعوة زعماء العالم إلى تبني مسار واضح للسلام
- البحوث الإسلامية تعقد ندوة مجلة الأزهر حول تفعيل صِيَغ الاستثمار الإنتاجي في الواقع المعاصر
- وزير المالية: نسعى لتبادل الخبرات مع السعودية لتعزيز فرص التعاون الاقتصادي
- برلماني يطالب بربط مخرجات التعليم العالي بسوق العمل وتطبيق معايير الجودة العالمية
- وزيرة التخطيط: توسيع برنامج تكافل وكرامة ليشمل 12 مليون امرأة
كما أفرزت أيضا تلك الثقافة جيلا متشددا ومتعصبا لأفكاره يعتبر نفسه حامي حما الدين والعقيدة دون غيرة من البشر.
فهذا هو الوضع الذي عانينا ومازلنا نعاني منه حتى اللحظة، فعلى وقع جملة "لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي" يستمر الأمر دون إعمال يذكر للعقل، بزعم أن كل ما هو لصيق بكلمة "دين" مقدس وحسب، فقد تكررت على مسامعنا تلك الجملة التي جاءت ضمن أحداث فيلم الإرهابي عام 1994 من إخراج نادر جلال، وبطولة عادل إمام، وأصبحت فيما بعد مثارا للسخرية عند إصرار البعض على غلق باب النقاش في موضوع أو قضية ما، حيث جسد الزعيم خلال أحداث الفيلم شخصية "على" الشاب الذي ينضم إلى جماعة "متطرفة"، ويغلق أميرها في وجهة كافة أبواب النقاش ومحاولات الفهم بجملته الشهيرة "لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي"، فيما كشف سيناريو الفيلم الذي يعد علامة مهمة من علامات السينما المصرية، كيف يؤثر الفكر المتطرف والتعصب للدين دون فهم، على المجتمع ويدفع الفرد إلى الطاعة العمياء ومن ثم إلى الإرهاب.
استخدام الدين مطية لإسكات الآخر وغلق طرق الحوار للهروب من أي مواجهة أو لتصدير فكر معين دون أي وعى أو إدراك يحمل في طياته نتائج كارثية في عملية الحوار وإدارته، رغم أن كل الأحكام التي يتم إنزالها على مختلف المسائل الحياتية تتطلب فهما ودراسة، لذا فإن أكثر الأشياء مرارة في هذا العالم ليس الحنظل كما يقول بعضهم، وليس العلقم كما يقول البعض الآخر، بلا إن أكثر الأشياء مرارة هو تغييب العقول باسم الدين، ووصم كل من يحاول إعمال عقلة بأنه "ضد الدين".
رغم أن الأديان جميعها تدعو إلى التدبر والتفكر وكسب ثقة وود الآخرين ومن ثم التفاعل معهم ومع أفكارهم، فقد ذكر السيد المسيح أن القدرة على نقل الجبل هو جزء صغير من الإيمان إذ قال "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل"، ويقول القديس بولس: "وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لدي محبة فأنا لست شيئا".
ومن ثم فإن الولوج إلى أي عملية حوارية يحتاج إلى آفاق منفتحة نحو الآخر تدرك أهمية النقاش وتعي مكتسباته ولا تقف عند حدود ثقافة "الشنطة فيها كتاب دين"، ذلك لأن المولى -عز وجل- قد من على الإنسان بنعمة العقل الذي يستطيع أن يفرز الغث من السمين لكي يدرك صاحبه ما يتماشى مع صحيح الدين من عدمه، ولا شك أن كل الاتجاهات باتت تستدعى وجود مناهج تربوية تخاطب المشتركات الإنسانية، وتغازل في النشء تربتهم الخصبة لقبول التعددية والاختلاف والحوار مع الآخر، مصداقا لقوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"، ومن ثم تجعلنا أكثر امتنانا لكل أثر صنعه الدين حتى لا نقف كثيرا على أطراف الحوار عند حدود المنطقة الرمادية.