مصر و "كسارة البندق"
سهير عبد الحميد
لم أكن أتوقع أن تتحقق توقعات الخبير الاستراتيجي أحمد عز الدين بهذه السرعة بعد أقل من ثمان وأربعين ساعة على حوارى معه الذي نشر على صفحات "الأهرام العربي" ، والذى أكد خلاله على أن مصر ستدفع ثمن كلمة السيسى فى قمة الرياض وأنها ستشهد أحداثا إرهابية وقلاقل داخلية من أجل استمرار الضغط عليها ووضعها تحت رحمة ما يشبه "كسارة البندق" حتى يتسنى لأميركا تحقيق تصورها الاستراتيجى فى المنطقة .
فقد جاءت كلمة الرئيس خلال القمة لتؤكد رفض مصر للرؤية الخليجية – الأمريكية للأمن القومى العربي والتى تنص على إنشاء نظام إقليمى بديل يتضمن إسرائيل" الكبرى بالتأكيد" وهو ما يجرى التمهيد له على قدم وساق خصوصا فى المرحلة الأخيرة بعد ما يجرى فى المنطقة فى العراق وسوريا وليبيا واليمن ،ثم ارتفاع وتيرة المطالبات الصهونية باعتراف أميركا بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ، وهو ما لاتخفى أمركيا الموافقة عليه والسعى لتحقيقه .وهو أيضا ما رفضته مصر على لسان الرئيس الذي أكدت كلمته بلا مواربة أن القضاء على الإرهاب مشروط بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية بناء على القرارات الدولية أى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس .
لم يمر على حديثى مع الخبير الاستراتيجى أحمد عز الدين سومسن حتى وقعت مجزرة المنيا ، ليثيت المخططون أنهم ماضون على المنهج نفسه كسر مصر بكسر وحدتها الداخلية ، لأن تلك الوحدة هى التى جعلتها تهزم الصليبيين والمغول والإنجليز والصهاينة .لذا فالمنهج الاستعمارى التقليدى عليه أن يفرض نفسه من جديد " فرق تسد" .
على الجانب الآخر لم يكن تعامل الدولة مع الإرهاب بالقوة نفسها التى جاءت بها كلمة الرئيس فى اليراض ، فللمرة المليون يرد النظام على المجزرة البشعة بالأسلوب القاصر نفسه : وفد لتعزية البابا وكأن النظام يقر بالتفرقة بين المواطنين على أساس دينى ويرسخ الصورة القديمة التى حرص البابا شنودة الراحل على تكريسها بعد خلافه مع السادات حين جعل المسيحيين شعبا الكنيسة وطنه ،فغاب الأقباط سنوات عن المشاركة بفعالية فى هموم الوطن ..،ثم يلي ذلك تصريحات بمعرفة كمائن الإرهاب وتوجيه ضربات لهم .ومع كامل تقديرنا لتلك الجهود ، ألم يكن الأجدر والأولى توجيه ضربات استباقية حتى لا تزهق أرواح المزيد من المصريين ...أن أن علينا أن نتعامل مع ملف الإرهاب بمنطق رد الفعل .
الكارثة أن النظام لا يعى أن شعارات "ايد واحدة " و عاش الهلال مع الصليب" لن تصمد طويلا وأنا كواطنة مصرية مسلمة أستطيع أن أتفهم الغضب المسيحى الذي جعل بعض العقلاء يصرخون لأول مرة " الإرهاب له دين.. هو الإسلام " وهذه هى الكارثة الحقيقية التى تعنى أن الإرهاب قد ينجح فيما فشل عنه الغزاة على اختلاف أعراقهم عبر قرون . لا يعنى هذا أننى أقر بأننا أمام فتنة تتحقق على الأرض لكنها إرهاصات أخشي عدم احتوائها سريعا بتحقيقات واسعة وأفعال استياقية لا ردود فعل ...خصوصا بعد أن أخبرنى بعض الأصدقاء ان هناك من أصدقائهم المسيحيين من امتنع عن تهنئتهم بحلول رمضان هذا العام ..وهو أمر مفهوم ولهم عذرهم فى ذلك ..فكيف يقومون بتهنئة إخوانهم وقد قتل لهم ابنا أو صديقا أو قريبا فى عدة حوادث بشعة شهدتها مصر خلال العام.
وهنا ينبغى الالتفات إلى أن الطرق التى يتبعها النظام فى حجب بعض المواقع الإخبارية أو اعتقال بعض المعارضين للنظام ليست أفضل طرق المواجهة للإرهاب الذي يحتاج خطة متكاملة وحزما عسكريا .
كذلك فإن منع بث صلاة التراويح فى مكبرات الصوت التى حرمت المصريين لأول مرة منذ قرون من تلك الحالة الروحية المصاحية لشهر رمضان ،فساهم هذا القرار فى عكننة المصريين أكثر وجعلت من بينهم من يردد أن الدولة تحارب الطقوس الدينية بتوجيه"تهمة الإزعاج "إلى صلاة التراويح المذاعة عبر مكبرات الصوت ..مثل تلك القرارات ترفع من حدة التذمر المكبوت وتزيد من مشاعر الغضب حيث قد يفسر البعض تلك القرارات –تفسير ا خاطئا مقصودا أو غير مقصود- على أنها وسيلة لترضية خاطر المسيحيين .
إذا فإن بعض القرارات غير الحكيمة قد ترفع درجة التوتر بلا داع يذكر ..إن مصر تحت رحمة مؤامرة كبيرة أكبر من المنطقة بأسرها ، والاستراتيجيات الأمريكية لإعادة رسم المنطقة منشورة على الملأ بلا مواربة وكأنهم يبرزون لنا ألسنتهم ويرددون مقولة موشي ديان الذي زاره في الستينيات من القرن الماضي صحافي هندي شهير اسمه كارانجيا إسرائيل وأجرى حديثا مطولا معه شرح خلاله ديان أن إسرائيل ستدمر الطائرات العربية في مرابضها بضربة سريعة ثم تصبح السماء ملكا لها وتحسم الحرب لصالحها, وحينها تساءل كارانجيا باستغراب: كيف تكشفون خططكم بهذه الطريقة؟ فقال ديان قولته الشهيرة "العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون" .
هناك غضب بين المسيحيين فى مصر لم يعد مكتوما وهو غضب له صداه فى نفوس المسلمين الذين وجدوا أنفسهم مع كل صباح مضطرين للدفاع عن أنفسهم والتنصل من ممارسات الإرهاب الذي يتحدث باسم الدين زورا وبهتانا..المواجهة العسكرية الحاسمة هى الحل ..الفعل لا رد الفعل .