مؤتمر برلين حول ليبيا.. أي فرص للنجاح؟
- رمضان إبراهيمتتجه أنظار الليبيين إلى العاصمة الألمانية برلين، نحو المؤتمر الدولي حول ليبيا المقرر انعقاده في شهر أكتوبر الجاري، بحضور كل أطراف الصراع الليبي، بهدف إيجاد حل ينتشل البلاد من أزمة تستمر بالتأجّح منذ سقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي قبل 8 سنوات.
وتلعب ألمانيا خلال الفترة الأخيرة دور الوساطة من أجل وضع حد للأزمة الليبية المتفاقمة، بالتشاور مع الشركاء المنخرطين في الأزمة دوليًّا وإقليميًّا، باعتبارها ليست أحد أطراف الصراع الرئيسي في ليبيا والممثل بين الجارتين الأوروبيتين فرنسا وإيطاليا.
فبرلين امتنعت منذ بداية الأزمة الليبية في عام 2011 من التدخل على خط الصراع، إذ أنها رفضت التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي آنذاك الداعي للقيام بعمل عسكري لحماية المدنيين في ليبيا، وهو ما يجعل ألمانيا وسيطًا مقبولًا بدرجة كبيرة من أطراف الصراع وكذلك من أغلب القوى الدولية والإقليمية، بيد أن الرغبة الألمانية تُواجَه بعقبات متعددة قد تحدّ من فاعليتها.
ويهدف المؤتمر المقرر استضافته حول ليبيا والذي يجرى بالتعاون مع البعثة الأممية للأمم المتحدة والذي يحاول إرساء الاستقرار في البلد الغني بالنفط، وكشف مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسّان سلامة في الشهر الماضي عن خطط لعقد مؤتمر دولي بشأن ليبيا يضم القوى الأجنبية على الأرض دون أن يحدد مكان الانعقاد.
ودخل على خط الحديث السفير الألماني لدى ليبيا "أوليفر أوفكزا" الذي أعلن بأن ألمانيا بدأت من أجل ذلك عملية تشاور مع أطراف دولية رئيسية، ومع وجود أعمال تحضيرية كافية، قد تقود هذه الجهود إلى حدث دولي مهم هذا الخريف، ثم أعقبه إعلان المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" خلال كلمتها أمام البرلمان الأوروبي، في 11 سبتمبر، أنه في حال عدم استقرار الأوضاع في ليبيا فإن استقرار المنطقة الإفريقية بأسرها سيتزعزع، وأن ألمانيا سوف تقوم بدورها لتجنُّب حرب بالوكالة في ليبيا.
وتعقيبًا على ذلك، فقد أعلن السفير الألماني في ليبيا "أوليفر أوفتشا" أن برلين تبذل جهدًا لتنظيم لقاء دولي حول ليبيا قبل نهاية العام الجاري بهدف إعادة الوضع في هذا البلد إلى استقراره، وأن هناك مشاورات مع الشركاء الدوليين الرئيسيين في هذا الإطار، واستنادًا إلى الجهود الأممية في الأزمة الليبية.
ويراقب الليبيون بكثير من التوجس الاستعدادات لعقد المؤتمر الدولي حول أزمة بلادهم في برلين، خصوصًا في حالة تشريك النظامين القطري والتركي في أشغاله، فيما رفض مسؤولون ليبيون المشاركة في المؤتمر الذي دعت إليه ألمانيا، مشيرين إلى أن تركيا وقطر باتتا تمثلان غطاء سياسيًا ودبلوماسيًا للمرتزقة وتدعمان الميليشيات الخارجة عن القانون بالمال والسلاح والإعلام.
واستبعد الجيش الليبي مشاركة قيادته العامة في المؤتمر، حيث قال اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، إن وقت الحوار انتهى لأن الميليشيات المسلحة أفسدت العديد من الاتفاقات والتفاهمات التي جرت في القاهرة وأبوظبي وباريس وباليرمو بين القائد العام المشير خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج.
وأشار المسماري إلى أن الجيش الليبي يؤمن بأن معركة ليبيا أمنية وليست سياسية أو اقتصادية، مؤكدًا أن دول العالم، وخاصة ألمانيا، تعي جيدًا أن الحل في ليبيا عسكري وأمني بسبب انتشار مقاتلين وإرهابيين في طرابلس.
فيما اشترطت حكومة الوفاق الليبية، الإثنين، احترام ما سمّته "7 ثوابت أساسية"، قبل الانخراط في الجهود الألمانية لجمع الفصائل المتحاربة في ليبيا خلال مؤتمر برلين المقبل، مؤكدة بأنها تشيد بجهود ألمانيا لعقد مؤتمر دولي يجمع الفصائل الليبية لإيجاد تسوية سياسية وحل سلمي للأزمة في البلد، لكنها تؤكد ضرورة الالتزام بالاتفاق السياسي الليبي والأجسام المنبثقة عنه كمرجعية سياسية لأي حوار أو اتفاق.
وفي هذا الصدد، اشترطت الوفاق الوقف الفوري للتعامل مع كافة المؤسسات الموازية، مضيفة أن أي حديث عن وقف إطلاق النار يرتبط بانسحاب القوات المعتدية من حيث أتت ودون شروط، متابعة بأنه لم يكن هناك أي اتفاق مبرم في أبو ظبي كما يتم تسويقه، بل كان لقاء تشاوريًا بإشراف الأمم المتحدة، في حين كان الاتفاق الوحيد هو ما قد تم في باريس حيث اتفق على إجراء انتخابات بتواريخ محددة، وهذا ما دعمه لقاء باليرمو وما لم يلتزم به الطرف الآخر.
وأشارت إلى أن الحل السياسي الوحيد يكون من خلال خطة الأمم المتحدة التي تنص على عقد ملتقى وطني جامع، حسب ما كان مقررًا في مدينة غدامس في 14 أبريل الماضي، والذي تم تقويضه بالعدوان على طرابلس ومحاولة الانقلاب على الشرعية.
وأعقبت الدعوة لمؤتمر برلين حول ليبيا حراك فرنسي إيطالي متسارع الوتيرة على المستويين المحلي والدولي، أعاد سباق روما وباريس على الملف الليبي إلى الواجهة، في الوقت التي تسعى فيه ألمانيا إلى توحيد الرؤى الدولية بشأن أزمة البلاد التي تفاقمت بشكل كبير مؤخرًا إثر الحرب المُشتعلة في طرابلس.
واعتبر وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو خلال اجتماعه مع نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان في نيويورك، مساهمته لتعزيز تماسك قوي للمجتمع الدولي على ضوء المؤتمر حول ليبيا، الذي تنوي ألمانيا تنظيمه في الخريف، فبعد مؤتمري باريس وباليرمو الفاشلين واللذين كرسا التناقضات بين إيطاليا وباريس حينها والصراع بينهما حول الريادة في الملف الليبي، يبدو البلدان هذه المرة متناغمين إما استفادة من دورهما السلبيين في التعاطي مع الأزمة في ليبيا سابقا، أو لتقاطع مصالح قد يكون جوهرها ملف الهجرة غير النظامية.
وينطلق الدور الألماني من منطلق دوافع منطقية متمثلة أساسًا في خشية ألمانيا من تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إليها بشكل كبير، ويحظى الدور الألماني بدرجة قبول كبيرة داخل ليبيا وخارجها، بيد أنه من الصعب التعويل على المؤتمر المزمع عقده في تسوية الأزمة الليبية، خاصةً في ظل انتشار عدد كبير من الميليشيات المسلحة في طرابلس، وهي ميليشيات لا تعترف بأي حل سياسي انطلاقًا من الدعم المالي والعسكري الكبير المُقدّم لها من بعض الدول.
ولذا فإن معركة تحرير طرابلس هي معركة محورية بالنسبة للجيش الوطني، ومن الصعب القبول بأي تفاوض قبل إنهائها، ولا سيما مع تزايد المخاوف من استغلال أنقرة لأي هدنة من أجل رفع مستوى تسليح الميليشيات بشكل أكبر، وهو ما يدفع نحو استمرار الصراع الليبي بنفس معطياته الحالية في المرحلة المقبلة.