"رحلة إلى جنهم" .. تفاصيل أعظم عملية خاصة فى تاريخ الحروب
- محمد طوخىحقا هى رحلة إلى جهنم على حد وصف قائدها العميد نبيل أبوالنجا، المحارب العظيم الذى فعل ما لم تستطع أن تقوم بها الطائرات ويتدلى هنا عقيلة الجندى المصرى العظيم خير أجناد الأرض ، رحلة أشبه بالمستحيل وقف أمامها التاريخ وقادة الحروب كثيرا ليتسائلوا كيف إستطاع إنسان أن يتسلل وسط الصحراء تحت النيران ومعه 20 جمل ليمشى بهم مسافة أكثر من 80 كليو متر تحت قصف المدفعية والطائرات وكيف إستطاع إنجاز مهمته المستحيلة بنجاح ليسجل إسمه بحروف من نور في سجل العظماء أبطال أكتوبر؟.
إستطاع هذا البطل المصري السير 80 مترًا خلف خطوط العدو ومعه عدد 20 جمل محملة بالمؤن والذخيرة وكان الهدف توصيلها لكتيبة الصاعقة فى رأس سدر خلف خطوط العدو .
البطل المصري العميد نبيل أبوالنجا حمل روحه علي يديه وقاد المهمة المستحيلة بنجاح ووصل بالجمال عندما تعذر الوصول بالطائرات الهيلكوبتر ... خطورتها الحقيقية أن الحرب كانت فى ذروتها وشدتها أيام 10 و11 و12 أكتوبر.
وفي هذا الوقت تلقي أبو النجا والمجموعة المرافقة له في العملية التعليمات التفصيلية، وهي عبور قافلة الجمال من الضفة الغربية للقناة عند كوبري الشط إلي الضفة الشرقية، ويتم التنسيق مع عناصر إستطلاع مصرية بخصوص النقاط التي يمكن التسلل منها بالجمال والتوغل في العمق بحذر شديد علي أن يكون التحرك ليلاً فقط والإختفاء نهاراً حتي الوصول لمنطقة مضيق سدر علي بعد نحو70 كيلو مترًا ، والإتصال برجال الصاعقة، وعبر أبو النجا ورفاقه وجماله علي المركبات البرمائية وأتموا العبور في الساعة الثالثة والنصف فجر الأربعاء العاشر من أكتوبر بعد معاناة شديدة، وبمجرد أن عبرت الدورية بالجمال الثغرة التي فتحها المهندسون في الساتر بخراطيم المياه سجد الجميع علي الأرض شكرا وهم يقبلون تراب سيناء.
وإندفعت الدورية كما هو مخطط لها بمحاذاة شاطئ القناة ووضعوا في الإعتبار تجنب النقاط القوية التي لم تسقط بعد، وبعد ساعات قليلة رأي الرجال بالقرب منهم معركة شرسة بين وحدات مدرعة إسرائيلية تحاول الدخول للنقطة القوية في لسان بورتوفيق لفك حصارها وتصدت لها عناصر الجيش المصري، مدعمة بأطقم إقتناص الدبابات من الفرقة التاسعة عشر مشاة إحدي تشكيلات الجيش الثالث الميداني التي نجحت في تدمير بعض الدبابات وأجهزت قوات الصاعقة علي البقية .
وحرص أبو النجا ورجاله طوال الرحلة علي التحصن نهاراً في الحفر الناجمة عن القصف الصاروخي الجوي والمدفعي ووسط هذا الخضم الهائل من الأهوال والنيران فقد الرجال 14 جملاً ورغم ذلك ظل أبو النجا ورجاله يحتفظون بقدر من البأس ورباطة الجأش، وفي تمام الساعة الثانية بعد ظهر الأربعاء العاشر من أكتوبر شاهد الرجال سيارة مياه تقوم بإمداد عناصر مصرية وتذكر الجميع أنهم لم يذوقوا طعم النوم أو الطعام أو الشراب منذ الساعة الرابعة عصر الثلاثاء التاسع من أكتوبر ولكنهم رفضوا أن يشربوا مياهًا من الإمدادات وأستعانوا بعصارة نبات السيال الموجود علي امتداد خط السير.. فضلوا العطش والجوع علي مد يدهم للمؤن التي كان أشقاؤهم في انتظارها.
وعند الوصول إلي أحد مراكز قيادة ألوية الجيش، ترك أبو النجا زملاءه والجمال في الحفر المتجاورة بالقرب من نقطة عيون موسي وذهب لمقابلة اللواء العقيد أ. ح صلاح زكي كما هو مخطط لطلب العون وقدمه له المقدم سامح توفيق رئيس العمليات وقتها وكان أحد زملاء أبوالنجا في الصاعقة وبالفعل تم إمداد الرجال بالمعلومات اللازمة لمواصلة الرحلة إلي الهدف .
وكان الخطر الأكبر هو عدم وجود خريطة محدد للألغام في المنطقة خاصة أن العدو كان ينشر الالغام بكثافة.
وفي تمام الساعة العاشرة مساء الأربعاء العاشر من أكتوبر وصلت الدورية إلي بداية الطريق الإسفلتي المؤدي لرأس سدر وجنوب سيناء وتقدمت بمنتهي الحذر وبعد دقائق معدودة كان هناك إشتباك بين قوات العدو وعناصر أحد الأولوية المصرية وحاصرت النيران الرجال من كل جانب ورغم ذلك تقدم أبوالنجا في خط سيره وواجهتهم عربة إسرائيلية بطلقات الهاون نتج عنه فرار الجمال لمنطقة وعرة وفقدت الدورية جملا آخر ليصبح العدد خمسة جمال فقط ولم يجد الرجال بدًا من التحرك علي الجانب الأيسر للفريق وهي منطقة قريبة من عيون موسي فكانت مخاطرة غير مأمونة العواقب وبالفعل وجدت الدورية نفسها في مواجهة سرية دبابات إسرائيلية ولكنها تحركت بعيدًا عنها وبسرعة فائقة وكفاءة في التخفي.
ومع أول ضوء يوم الخميس الحادي عشر من أكتوبر وفي تمام الساعة السادسة صباحا سمع رجال الدورية أثناء إختبائهم أزير طائرات إستطلاع العدو الجوي وعلي الفور هرول أبوالنجا إلي مكان يستطيع منه المراقبة ووجد أحد الجنود يطلق النيران من الطائرة علي المناطق التي مروا منها ومن خلفها طائرة أخري تقوم بإحراق الأراضي بالنابلم ويركزون علي خط سير الدورية فأعطي أبوالنجا أوامره للرجال بمغادرة الأماكن المختبئين فيها ولبس فروة خروف في الأقدام حتي لا تترك أثرًا ولم تمض سوي 15 دقيقة علي مغادرة المكان حتي قامت طائرات فانتوم بتدميره فتعاطف الرجال وتأكدوا أن العناية الإلهية ترعاهم وبحلول آخر ضوء يوم الخميس الحادي عشر من أكتوبر أصدر أبوالنجا أوامره للدورية بالاستعداد للتحرك وكان يتبقي علي الوصول للمضيق 23 كيلو مترا.
قال أبوالنجا كنا نختبأ داخل القفص الصدري لهذه الجمال التي تفجرت من إستهداف العدو لنا وتم تنفيذ المهمة بنجاح بخمسة جمال فقط لأن الباقى تفجر جراء عمليات القصف ، وبعد إنتهاء الرحلة وتسليم الذخيرة والمؤن عدنا من طريق مختلف حتي لا يستطيع العدو رصدنا وسرنا علي أقدامنا 180 كم و نحن نحمل 3 زملائنا تم إصابتهم أثناء تنفيذ المهمة ،مشيرًا إلى أنه تم وصف هذه المهمة بعد ذلك بأعظم عملية خاصة في تاريخ الحروب.