لبنان: استقالة الحريري تضع عون وحزب الله في مرمى المواجهة
- رمضان إبراهيمتحول في مسار أحداث لبنان خلقته خطوة سعد الحريري بالاستقالة من منصبه في رئاسة الحكومة، فيما يُصر المتظاهرون على ضرورة "إسقاط النظام" بالكامل، وهو ما يضع الرئيس اللبناني ميشيل عون وحزب الله أمام مرمى المواجهة، الأمر الذي يزيد المشهد ضبابية قد يدفع البلاد نحو أزمة طويلة الأمد.
وتضع الأزمة الحالية لبنان أمام بعض السيناريوهات المحتملة للأوضاع في الفترة القادمة بعد استقالة الحريري رغم رفض شركائه، وهو ما يثبر تساؤلات أيضًا عن موقف هؤلاء الشركاء في المرحلة المقبلة، ومدى الاستعداد لتلبية مطالب المتظاهرين بحكومة تغيب عنها الوجوه السياسية الحالية مع بروز تخوفات من سيناريو دخول البلاد في حالة صدام.
ويشهد لبنان شللًا بعد 13 يومًا من احتجاجات اتسمت بقطع طرقات رئيسية وتسببت بإغلاق المصارف والمدارس والجامعات، للمطالبة بإسقاط الطبقة السياسية برمتها، في حين اتهم الحريري في خطاب سابق شركاءه في الحكومة بعرقلة الإصلاحات، ثم قدم بعد ذلك ورقة إصلاحية بهدف تهدئة الاحتجاجات لكن الشارع رفضها.
وجاءت استقالة الحريري بعد ساعات من مهاجمة أنصار لحزب الله وحركة أمل المحتجين وسط بيروت، حيث اقتلعوا الخيام وأضرموا النيران فيها، حيث قال الحريري في إعلان استقالته: "لابد من إحداث صدمة كبيرة لمواجهة الأزمة"، مشيرًا على أنه تقدم بهذه الخطوة "تجاوبًا مع إرادة اللبنانيين المطالبين بالتغيير".
وهناك بعض السيناريوهات المحتملة تجاه في الوضع في لبنان بعد استقالة الحريري في ظل نظام يقوم على المحاصصة الطائفية، والذي اعتبر بأنه وضع حدًا للحرب الأهلية لكن القادة السياسيين لطالما عجزوا عن اتخاذ قرارات كبرى، وأنه في حال قبول عون للاستقالة، سيطلب من الحكومة الحالية الاستمرار في العمل كحكومة تصريف أعمال، ويتعين على عون إجراء مشاورات مع رؤساء الكتل البرلمانية بهدف الاتفاق على اسم خليفة الحريري، من الشخصيات السنية في منصب رئيس الوزراء.
تلك هي الخطوة القريبة المنتظرة، إلا أن الشعب اللبناني الذي رفع شعار "كلكن يعني كلكن"، يطالب بإنهاء الطائفية في بلاده، التي رسخ لها اتفاق الطائف 1989.
واختلفت الانتفاضة الشعبية اللبنانية، التي انطلقت في 17 أكتوبر الجاري، عن سابقتها من الاحتجاجات، كونها لم تخرج ضد طائفة محددة، ولكن شملت جميع الطوائف، وتهدف إلى إنهاء النظام الذي رسخ للطائفية في لبنان، في أعقاب اتفاق الطائف الذي عقد في السعودية 1989، وأصبح الحكم قائمًا على نظام جمهوري ديمقراطي توافقي طائفي بحيث توزع المناصب الأساسية بنسب محددة بين أعلام الطوائف المختلفة.
ورغم أن الدستور اللبناني ينص على أن لبنان بلد جمهوري ديمقراطي برلماني لكن البنية الطائفية للنظام السياسي في لبنان جعل من شبه المستحيل اتخاذ أي قرارات كبرى دون توافق جميع الفرقاء السياسيين الموزعين على أساس طائفي.
وينتخب مجلس النواب اللبناني رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون من الطائفة المسيحية المارونية وبالتوافق بين القوى السياسية الممثلة بالبرلمان ولمدة ست سنوات قابلة للتجديد، ويتم توزيع مقاعد مجلس النواب البالغة 128 مقعدًا مناصفة بين المسيحيين والمسلمين حسبما ينص عليه اتفاق الطائف، بينما يترأس المجلس أحد أبناء الطائفة الشيعية.
أما منصب رئيس الوزراء فهو من نصيب المسلمين السنة، وجرى التوافق على ذلك بين الأطراف اللبنانية عام 1943 قبل استقلال لبنان عن فرنسا عام 1946 رغم أن الدستور اللبناني لا يتحدث عن دين او طائفة رئيس الوزراء.
التظاهرات الأخيرة في لبنان، قد لا تكتفي بخطوة استقالة رئيس الحكومة الحالي، لأنه بحسب –نضال السبع المحلل السياسي اللبناني- لن تخرج عن جديد، ولكن ربما الأوجه ذاتها، نظرًا لأن الكتل البرلمانية هي التي تحدد على أساس طائفي، ومن ثم قد تذهب للمطالبة بإنهاء تلك الطائفية لتوحيد القرار السياسي في لبنان.
بينما يتضمن السيناريو الآخر هو رفض عون طلب الاستقالة، وفي هذه الحالة، يظل الحريري رئيسًا للوزراء لكنه يستطيع عدم عقد جلسات حكومية، حيث أنه من المعروف مدى صعوبة عملية اختيار المسؤولين في لبنان والفترة الزمنية الطويلة التي تستغرقها تلك العملية، وقد أخذ البرلمان اللبناني عامًا ونصف العام لاختيار الرئيس الحالي، وفي ضوء الوضع الحالي، فإن طول أمد اختيار رئيس الحكومة سيعمق الأزمة، لأن البلاد تعيش بالفعل أزمة اقتصادية حادة زادت سوءًا مع استمرار غلق البنوك والمتاجر والمدارس.
وهناك توقعات بعدم استطاعة القادة السياسيون الاتفاق على اسم رئيس حكومة جديدة، وهو ما يعني استمرار الحريري في رئاسة حكومة تصريف أعمال، وتوقعات بعدم قدرته على التعامل مع الأزمة الاقتصادية، وهو ما سيزيد الوضع سواء، وقد تؤدي استقالة الحريري إلى زيادة الاضطرابات وتفاقم الأزمة الاقتصادية، لكن المحتجين يقولون إنها تمثل أيضًا فرصة للتخلص من النظام الطائفي في البلاد والانتقال إلى الحكم المدني.