من سوتشي إلى واشنطن.. "سد النهضة" يبحث عن حل
- رمضان إبراهيممن سوتشي الروسية إلى واشنطن الأميركية، تنتقل العقدة المائية الإفريقية المتشابكة بين مصر وإثيوبيا منذ ثماني سنوات، ألا وهي أزمة سد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق، إذ انطلقت في العاصمة الأميركية واشنطن، اليوم الأربعاء، اجتماعات تضم وزراء الخارجية والمياه والري في مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، وذلك برعاية وزير الخزانة الأميركي، ستيفين منوشين، ومشاركة البنك الدولي.
فبعد العرض الروسي الأخير الذي قدمه الرئيس فلاديمير بوتن لنظيره المصري عبد الفتاح السيسي بالوساطة لحلحلتها، تدخل العاصمة الأميركية على الخط بحثا عن الحلحلة المرجوة.
وكان البيت الأبيض قال إن ترامب تحدث مع السيسي الاثنين، وأبدى تأييده لإجراء مفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة.
والأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن إدارة ترامب وجهت الدعوة للدول الثلاث لعقد اجتماع في واشنطن يوم السادس من نوفمبر لكسر الجمود الذي يكتنف المحادثات.
وتضع المباحثات التي تستضيفها واشنطن الرئيس الأميركي في مقدمة عناوينها بصفته الراعي الأساسي لها، في موقف أشاد به السيسي، مؤكدا ثقته في الدور الفعال الذي من الممكن أن يلعبه دونالد ترامب في مسار النهضة وخلافاته.
ويمثل جلوس أديس أبابا والقاهرة، المختلفين معا، منطلقا إيجابيا لإخراج الملف من دائرة التعثر والتوتر، فيما اقترحت واشتطن على مثلث النهضة، القاهرة وأديس أبابا والخرطوم، برنامج مفاوضات على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث، بحضور ممثل عن البنك الدولي، يفتتحها ترامب بنفسه باستقبال الوزراء الثلاث.
تقول إثيوبيا إن بناء السد ضروري لتنميتها الاقتصادية، ولن يضر بدول المصب لكن مصر ترد، بالأدلة الهندسية والجيولوجية، نافية ذلك، وتصر في كل مراحل التفاوض السابقة على ضرورة التنسيق بين الأطراف كافة.
وتخشى مصر من أن يؤدي سد النهضة إلى الحد من إمدادات المياه النادرة بالفعل من النيل والتي تعتمد عليها مصر اعتمادا كاملا تقريبا، وفي الأسابيع الأخيرة، طالبت مصر بوسيط دولي في القضية، قائلة إن المحادثات الثلاثية وصلت إلى طريق مسدود إلا أن مقترح الوساطة كان مرفوضا من جانب إثيوبيا التي من المتوقع أن تبدأ في ملء خزان السد العام المقبل.
وفي السياق، فمن المتوقع أن يقدم وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ملفا متكاملا لعرض وجهة النظر المصرية المدعومة بمبادئ القانون الدولي والقواعد الحاكمة للتعامل مع الأنهار والقائمة على مبادئ عدم الإضرار بمصالح دول المصب، إضافة إلى التسلسل الزمني للاتفاقات والمعاهدات المنظمة للاستفادة من مياه النيل بداية من اتفاقيتي 1929 و1959.
وكذلك معاهدة تسوية المنازعات بين مصر وإثيوبيا الموقعة عام 1986 ووثيقة التفاهم الموقعة في الأول من يوليو عام 1993 حول عدة مبادئ أهمها عدم قيام أي من الدولتين بأي نشاط يتعلق بمياه النيل من شأنه إلحاق الضرر بمصالح الدولة الأخرى.
وإضافة إلى إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا عام 2015، والذي نص صراحة على أن يتم الاتفاق بعد انتهاء الدراسات على كيفية إنجاز سد النهضة وتشغيله دون الإضرار بدولتي المصب مصر والسودان فضلا عن اعتماد مبدأي عدم الإضرار والتعويض في حالة الضرر، وهو الإعلان الذي تتمسك مصر بتنفيذه والاعتماد على الدراسات الفنية، التي تؤكد صحة الموقف المصري.
يمثل سد النهضة بالنسبة لإثيوبيا حلمًا قوميًا جامعًا لأبنائها، الذين ينتمون لعدة أعراق وقوميات ويتحدثون نحو 77 لغة مختلفة، ومن ثم فإن القادة الإثيوبيين شديدي الحذر من المساس بهذا المشروع خوفا من اتهامهم بالتفريط في حقوق الشعب الإثيوبي.
وظهر هذا الالتفاف الشعبي حول مشروع السد في الاكتتاب، الذي أجري لتمويل السد من الإثيوبيين في داخل البلاد وخارجها عبر إصدار سندات داخلية وخارجية مقصورا على مواطنيها لتوفير 3 مليارات دولار من جملة تكلفة بناء السد البالغة 4.8 مليار دولار، فيما وفرت البنوك الصينية تمويلًا بلغ 1.8 مليار دولار.
وتسعى إثيوبيا من خلال بناء السد وتشغيله إلى استكمال خطط التنمية وتوصيل الكهرباء للمواطنين المحرومين منها، والذين يشكلون نحو 70 بالمئة من عدد السكان.
واعتمادًا على هذين العاملين ترفض إثيوبيا الطلبات المصرية وتصفها بأنها مساسا بسيادتها، وتؤكد في الوقت ذاته على عدم رغبتها في الإضرار بمصلحة مصر، معتبرة أن مشروع السد سيصب في مصلحة الجميع.
ومن المتوقع أن تطرح إثيوبيا وجهة النظر تلك في المفاوضات مع استعدادها لطرح حزمة من المشروعات المشتركة في محاولة لتعديل الموقف المصري وهو الطرح المرفوض مصريا بشكل قاطع.
ونجحت إثيوبيا في إحداث تغيير في الموقف السوداني وتحييده بما يشكل دعما لموقفها تجاه مصر، وقد ظهر هذا الموقف جليا في الجولات الأخيرة من المفاوضات قبل أن تصل لطريق مسدود وتلجأ مصر لعرض القضية أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في كلمة الرئيس السيسي في سبتمبر الماضي.
ويعتبر السودان أن بناء السد يصب في مصلحته المباشرة من جهتين، الأولى هي حصوله على الكهرباء من إثيوبيا بتكلفة أقل من تكلفة الاستثمار في بناء محطات محلية لإنتاج الكهرباء وتصدير البترول بدلًا من استخدامه في المحطات.
ومن جهة أخرى يسهم بناء سد النهضة في حجز الطمي، الذي كان يملأ بحيرات التخزين خلف السدود السودانية، مما يقلل من سعتها التخزينية للمياه ويقلل من استفادة السودان من حصتها من مياه النيل البالغة نحو 18 مليار متر مكعب.
ومن ثم فإن الموقف السوداني قد يبدو داعمًا للموقف الإثيوبي في المفاوضات التي تنطلق اليوم، وإن كانت القاهرة تراهن على تغيير الموقف السوداني، خاصة إذا تعلق الأمر بالخطورة الشديدة على السودان في حال حدوث انهيار جزئي أو كلي للسد، فضلا عن استعداد القاهرة للتعاون البناء فيما يتعلق بنقل الكهرباء أو المشروعات التنموية المشتركة.
لا شك أن دخول الإدارة الأميركية على خط الأزمة بين مصر وإثيوبيا سواء كان بطلب مصري أو بمبادرة أميركية يشكل فرصة مهمة لوقف التدهور في هذا الملف والإدارة الأميركية تتحرك في هذا الملف أيضا دفاعا عن مصالحها في تحقيق الاستقرار وعدم تصعيد الخلافات بين اثنين من أهم حلفائها.
فمصر بالنسبة للولايات المتحدة شريك استراتيجي يلعب دورا محوريا في منطقة الشرق الأوسط وإثيوبيا كذلك تربطها علاقات غاية في الأهمية بواشنطن، وتلعب دورا محوريا في منطقة القرن الأفريقي.
كما أن الطرفين يعلبان دورًا مهمًا في مكافحة الإرهاب، ومن ثم فإن الإدارة الأميركية ستسعى بما لها من ثقل دولي ودور محوري في تذليل الصعاب أمام أطراف الأزمة.
وعلى الجانب المصري، الذي يعتبر القضية بالنسبة له قضية حياة أو موت فمن المتوقع في حال فشلت المفاوضات أو وصولها إلى اتفاق لا يزيل المخاوف المصرية، فإن الأبواب مفتوحة لتدويل القضية والسعي إلى الضغط على الدول التي تعمل شركاتها في بناء السد.
وكذلك اللجوء إلى الأمم المتحدة سواء في الجمعية العامة أو مجلس الأمن باعتبار أن القضية تشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين، كما أن القاهرة تسعى بكل أدواتها لإقناع الدول العربية التي تربطها علاقات اقتصادية بإثيوبيا وفي مقدمتها السعودية والإمارات والكويت إلى الضغط على أديس أبابا من أجل التوصل لاتفاق يحفظ الحقوق المصرية في حصتها من مياه النيل، إضافة لعرض القضية على الشركاء الاقتصاديين المهمين بالنسبة لإثيوبيا وفي مقدمتهم الصين والاتحاد الأوروبي.