ليس الحديث عن إدمان شرب القهوة لكنه عن إدمان وجودها، وأسباب العلاقة بينها وبين الكتب، وأسرار حبّ كبار الكُتّاب للقهوة، واحتفاء المفكرين والأدباء بها، حتى عُدت ضمن ثلاث هنّ من متطلبات الكُتّاب، وهي: الكِتاب والقلم والقهوة، ولا شك أن الجمع بين الأمور الثلاثة محتمٌ ولازم. ارتبطت القهوة بالكتب والكُتّاب ارتباطاً وثيقاً حتى صارت العلاقة بين القهوة والكُتاب علاقة زوجية أبدية لا طلاق فيها ولا تفكير في الانفصال بينهما، ويبدو أن هناك سراً يجعلهم لا يستطيعون الخلاص منها. كانت القهوة ولا زالت الغذاء الروحي للأدباء والكتاب، يستنشقون منها عبير الكتابة، ويجتمعون تحت سقفها في أمسياتهم الأدبية، ولا يستغنون عنها مع كبر سنهم وشدة مرضهم، فكان الأديب نجيب محفوظ خلال ساعات الكتابة بعد إصابته بمرض السكر يتناول ثلاثة فناجين قهوة، فنجان واحدٌ كل ساعة تعدها زوجته دون أن يطلب منها ذلك. وأما الأستاذ أنيس منصور فكان يشرب القهوة نهاراً، ثم توقف عنها تماماً إلا أنه لم يجد في الشاي ما يعوضه عن مذاق القهوة، وفي الأخير عاد إلى محبوبته ومعشوقته (القهوة) زميلاً للعظماء المشاهير، وكان الأديب والروائي الكبير يوسف إدريس من المغرمين والعاشقين للقهوة، وكانت القهوة تصاحبه عند الكتابة. وكان الروائي خيري شلبي يشرب أثناء الكتابة كوب قهوة تركية سوداء، وأما الشاعر الكبير عبد الرحمن صدقي فكان يغضب كثيراً إذا طلب قهوة سادة وأتته زيادة. وأما الروائي والأديب يوسف القعيد فكان يشرب كثيراً من القهوة أثناء الكتابة الصباحي، ويعدها بنفسه، ويعتبر أن إعداد القهوة استراحة محارب بين كتابة وكتابة أخرى يفكر خلالها فيما انتهى من كتابته، ويستعد لما هو مقبل على كتابته. ويتكلم الروائي مكاوي سعيد عن مشكلاته أثناء الكتابة، وأنها تتمحور في عادة شرب القهوة، حيث يتفاجأ بعد الانتهاء من كتابته اليومية بعدد أكواب القهوة التي شربها، وأنه حاول التخلص من هذه العادة لكن دون جدوى. فالقهوة متعة على الرغم من مرارة طعهما، وأفضل الأوقات هو الجلوس مع الكتاب واحتساء كوب من القهوة في ظلمات الليل بعيداً عن صخب العابثين، وكان الكثير من الكُتاب يشربونها خالية من السكر، ويفضلونها على غيرها، ولا عجب في ذلك، فقد خلقت القهوة سوداء غير شقراء، مرة، لا يعرف عنها ولا منها ولا لها السكر، فكم هي عزيزة عند الكتاب والأدباء؟!