79 عامًا على تأسيس «قلعة الحريات».. أزمات ومعارك حاسمة خاضتها نقابة الصحفيين
أحمد واضح«صاحبة الجلالة» واجهت الملك فاروق في «أخبار السرايا»
أنذرت الاحتلال الإنجليزي في أزمة الأرض
تصدت للسادات ومبارك والمعزول في «الإعلان الدستوري»
وأجبرت «علي عبد العال» على الاعتذار في أزمة اعتداء النائب
عرفت مصر الصحافة منذ أكثر من خمسة آلاف عام، قبل أن يطرق الآخرون في ربوع الدنيا هذا الميدان، فمن صفحات التاريخ نرى أن اقدم صحيفة عسكرية قد نقشت علي الحجر من وجهين واشرف علي تحريرها من يدعي "بتاح" وقد جري توزيعها علي قادة الجيش وعدد من الحكام وبلغ مجموع نسخها مائة نسخة تقريباً.
نحت الفنان المصري في صدر الصحيفة صورة الفرعون " مينا" "نارمر" ومن حوله لفيف من الأسرى قطعت رؤوسهم ووضعت بين أقدامهم , واشتملت موادها علي أنباء المعارك وذكريات القادة وأعمال الجنود.
و أول صحفي عسكري مصري ذاع صيته كان القائد المصري "ووني" من رجال الفرعون "بيبي الاول" من ملوك الأسرة السادسة , وقد سجل أخبار معاركه علي الحجر في طائفة من النقوش علي أشتات من الآثار.
وتحكي جدران المعابد والقلاع في طيبة وممفيس وهليوبوليس وابيدوس وغيرها قصص الانتصار ولم يغفل المصريون عن التطور فاستخدموا بعد ذلك الجلد وورق البردي بالإضافة إلى النحت علي الأحجار، وانطوت هذه الصفحة من تاريخ الصحافة العسكرية في مصر بانتهاء عصر الأسرات وبدء الاحتلال الأجنبي لمصر.
معركة الاعتراف
وبعد عقود طويلة مروروًا بالدولة الحديثة وحتى مطلع القرن العشرين شهدت تطورات الصحافة المصرية بمختلف الأنظمة التى توالت على البلاد وبعد كفاح ومعارك خاضها أساتذة الصحافة المصرية قبل 100 عام في مواجهة الأنظمة السياسية حينها بهدف إنشاء كيان نقابي يجمع أبناء المهنة تحت تكتل يحمي حرية الصحافة ويصون بلاط صاحبة الجلالة ويرسخ للدور الوطني والتنموي للقلم في النهوض ببلادنا حيث يتحول القلم في وقت الحرب إلى سلاح تأثيره فتاك على العدو ربمأ أقوي من الأسلحة الحديثة مهما تطورت، وفي وقت السلم يكون سيفًا مسلطًا على الفاسدين لحماية مدخرات الشعب ودفعاً عن حقوقه في كافة المجالات.
في 31 مارس 1941 تكللت جهود الرعيل الأول من الصحفيين المصريين بالنجاح وتم تأسيس نقابة الصحفيين بعد محاولات استمرت لعشرات السنين إلى أن وصدر القانون رقم 10 لسنة 1941 بإنشاء نقابة الصحفيين المصريين وتشكيل مجلس إدارتها المؤقت.
أزمة الأرض
حتى ديسمبر من عام 1941 لم يكن للنقابة مقرًا، رغم أن موافقة الحكومة على إنشائها اقترنت بشرط توفير مقر لها، الأمر الذي سارع من اجله الأستاذ محمود أبو الفتح بالتنازل عن شقته بعمارة الإيموبيليا لتصبح أول مقر لها.
وعندما حان موعد عقد اجتماع جمعية عمومية عادية للصحفيين عام 1942 وجد مجلس النقابة أن الصحفيين في أشد الحاجة إلى مكان أكثر اتساعا لعقد جمعيتهم و اهتدي المجلس إلى قاعة نقابة المحامين الكبرى لعقد هذا الاجتماع، وأثناء عقد الاجتماع استرعى انتباه مجلس النقابة وجود قطعة أرض فضاء مجاوره لنقابة المحامين عليها بضع خيام.
وفي اليوم التالي توجه محمود أبو الفتح - نقيب الصحفيين- إلي جهات الاختصاص في الدولة وطلب هذه الأرض ليقام عليها مبنى النقابة، لكنه علم أنها مملوكة للقوات المسلحة البريطانية وقد أنشأت عليها خياما يقيم فيها الناقهون من جرحى الحرب العالمية الثانية، وعرض على أبو الفتح قطعة أرض أخرى يشغلها سوق الخضر والفاكهة بالقرب من هذا المكان بشارع رمسيس - تشغلها حاليا نقابتا المهندسين والتجاريين- بشرط أن تتولى نقابة الصحفيين إزالة آثار السوق على نفقتها الخاصة، لكن مجلس النقابة رفض العرض وفضل الانتظار حتى تضع الحرب أوزارها ثم يسعى مرة أخرى للحصول على قطعة الأرض المجاورة لنقابة المحامين.
وخلال هذه الفترة سعت النقابة لإيجار مقر آخر، وفى عام 1944 كان فؤاد سراج الدين -وزير الداخلية- قد أمر بالاستيلاء على مبنى من طابق واحد بشارع قصر النيل - رقم 33 أمام عمارة الإيموبيليا والبنك الأهلي- ومصادرته لصالح نقابة الصحفيين فورا بعد أن كان ناديا فخما للعب القمار.
وظل هذا المبنى مقرا للنقابة وناديا لها تم دعمه بمكتبة قيمة تحتوي على أربعة آلاف كتاب والعديد من الدوريات الصحفية وأصبح يتوافد عليه الزائرون من كبار رجال الدولة والأدباء والفنانين، ورغم أن رفعة مصطفى النحاس باشا -رئيس الوزراء- قد أمر بتخصيص قطعة الأرض المجاورة لنقابة المحامين ليقيم عليها الصحفيون .
نقابتهم إلا أن مساعي فكري أباظة -نقيب الصحفيين في ذلك الحين- عام 1944 لم تكلل بالنجاح لتنفيذ أمر رئيس الوزراء، لأن جهات الاختصاص في الدولة لم تكن قادرة على أن تأمر القوات المسلحة البريطانية بالجلاء عن هذه الأرض!.. ولم ييأس الصحفيون.
إنذار القوات البريطانية
غامر حافظ محمود - وكيل النقابة وقام أثناء غياب فكري أباظه، بالخارج بتوجيه إنذار إلى القيادة البريطانية بالقاهرة للجلاء عن هذه الأرض 'حيث أنها آلت من الحكومة المصرية لنقابة الصحفيين لإقامه مبنى جديد عليها ' وكانت المفاجأة أن استجابت القيادة البريطانية على الفور وواجهت النقابة بعد ذلك مشكلة التمويل، وقام مصطفى القشاشي -السكرتير العام لنقابة الصحفيين- ببذل جهود مضنيه مع دولة محمود فهمي النقراشي -رئيس الوزراء آنذاك- بخصوص هذا الموضوع ومهد الطريق لعقد اجتماع لرئيس الوزراء مع مجلس النقابة لأول مرة وتم عرض مطلب النقابة على مجلس الوزراء الذي وافق على اعتماد 40 ألف جنيه تحت حساب تكاليف المبنى وقال رئيس الوزراء في رسالة لمجلس النقابة "يسعدني أن أبلغكم بأن يتم هذا البناء ويفرش بأحدث المفروشات حتى يصبح منارة إشعاع تطل منها مصر بحضارتها العريقة على الدنيا كلها.. أريدكم أن تعرفوا أنني قررت أنه عندما يحضر وفد أجنبي إلي مصر أن أعزمه في نقابة الصحفيين لأنها مرآة صادقة للمجتمع المصري".
وفي دورة مجلس 1995 برئاسة النقيب إبراهيم نافع - وضع ضمن أولوياته إقامة مبنى جديد يلبي الاحتياجات المتزايدة للأنشطة الصحفية وحصل بالفعل على دعم مبدئي من الدولة في ذلك الوقت بلغ 10 ملايين جنيه وتم وضع حجر الأساس في 10 يونيو 1997 خلال الاحتفال بيوم الصحفي وفى عام 1998 وقع مكرم محمد احمد نقيب الصحفيين عقد بناء المبنى مع الإدارة الهندسية للقوات المسلحة، وانتهى العمل تماما بالمبنى وتم تأثيثه والانتقال إليه في يوليو 2002.
معركة الملك
وفي مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بدأت معارك النقابة مع حكومة "الوفد" حينها تحت حكم الملك فاروق، عندما طرح النائب الوفدي إستيفان باسيلى، مشروع قانون بحظر نشر أخبار السرايا، أو أحد أفراد الأسرة الملكية، إلا بعد خاتم من الديوان الملكي بهدف وضع قيود على الصحافة والصحفيين، الأمر الذي دفع عددًا كبيرًا من أعضاء البرلمان لرفضه، حتى اضطر باسيلى إلى سحبه والاعتذار للصحفيين.
معركة السادات
في عام 1977 أبدى الرئيس الراحل محمد أنور السادات عزمه تحويل نقابة الصحفيين إلى نادٍ بعد الهجوم عليه من عدد من الصحفيين المقيمين بالخارج، وتدخل إليه حافظ محمود شيخ الصحفيين وأول عضو بمجلس إدارة النقابة وخاطب السادات مذكرًا له أن هناك وثيقة موقعة منه يقر فيها بدور الصحافة في ثورة 23 يوليو، قائلًا:" ثم تأتي الآن أمام كاميرات العالم وتقول إن الصحافة ضد الوطن، فكيف تناقض نفسك يا سياده الرئيس؟!".
وتابع حافظ في خطابه:"الصحفيون الذين كتبوا ضد مصر، لا يتعدون نسبة أكثر من 2% أو 3 % من أعضاء النقابة، فلماذا أنت غاضب يا ريس؟!" فرد السادات: "مش عارف اللي كتبوا يا أستاذ حافظ؟"، وعقب حافظ،:"أنا لما سبت النقابة تركت لهم ميثاق الشرف الصحفي" ثم راح حافظ محمود يسرد تفاصيل من هذا القانون حتى صاح السادات: "أهو أنا عايز نصف ده.. ربع ده".
وحسم شيخ الصحفيين، الأمر قائلا: "نعمل مجلس يحل مشاكل الصحفيين" ليتأسس المجلس الأعلى للصحافة، فابتسم السادات قائلا: "شايفين شيخ الصحفيين حلها إزاي"، ودوى التصفيق الحاد وانتهى الاجتماع فلحق حافظ محمود وإحسان عبدالقدوس، بالسادات، وكان إحسان ظريفًا حين سأل الزعيم محمد أنور السادات، عن حكاية شيخ الصحفيين دي؟ فقال الزعيم محمد أنور السادات: "أنت مش فلاح زي أنا وحافظ يا إحسان.. في كل شغلانة عندنا ليها شيخ هو كبيرهم" فقال حافظ محمود ضاحكا: "بس أنا كده أول عجوز بقرار جمهوري".
معركة مبارك
وحدثت انتفاضة الصحفيين الكبري عام 1995 بعد أن تم طرح القانون رقم 93 لسنة 1995، والذي تضمن تغليظ العقوبات في جرائم النشر وألغى ضمانة عدم الحبس الاحتياطي للصحفيين لتنتفض.
وانعقدت الجمعية العمومية في 10 يونيو من العام نفسه معلنًة رفض القانون في وقائع أطلق عليها "الانتفاضة الكبري" واختارت بعدها الجمعية العمومية هذا اليوم عيدًا سنويًا لحرية الصحافة، حيث نشر الصحفيون آنذاك قائمة سوداء بأسماء النواب الذين تزعموا تمرير القانون، وتم إقامة جنازة رمزية شيعوا فيها حرية الصحافة.
وتوالت مبادرات الغضب باحتجاج الصحف الحزبية، واعتصام كامل محرريها بحديقة النقابة، وعقدت القوى السياسية والأحزاب مؤتمرا حاشدا بمقر حزب الوفد، حتى انتصرت الجماعة الصحفية وتراجع البرلمان في القانون.
ونجح الصحفيون في معركتهم أمام سعى "مبارك" لمنع حصول الصحفى على أى معلومات وتغليظ العقوبات ليعيد النظر وتعود الأمور إلى طبيعتها بعد إسقاط لقانون لسنة 1995 بعرق وجهد الرجال لأنه سقط رغم أنف الحكومة وتم إسقاط العقوبات المغلظة والسالبة للحرية.
معركة جديدة
في عام 2006 عاود البرلمان، بقيادة أحمد عز أمين السياسات بالحزب الوطني المنحل، الذي قاد لوبي لإقرار الحبس في قضايا النشر، واجتمعت عمومية الصحفيين، وقاد المظاهرات نقيب النقباء كامل زهيري على مقعد متحرك واحتجبت 26 جريدة عن الصدور، تضامنًا مع موقف النقابة، وبعث نقيب الصحفيين حينها جلال عارف رسالة إلى الرئيس الأسبق حسني مبارك مطالبا بالتدخل، وقرر أعضاء مجلس النقابة الدخول في اعتصام مفتوح انضم إليه بعض أعضاء الجمعية العمومية.
وفي يوم الإثنين الموافق الـ 10 من يوليو عام 2006 شهد كلمة للدكتور مفيد شهاب، أمام أعضاء مجلس الشعب أثناء مناقشة المشروع في الجلسة الثانية، قائلًا:" الرئيس مبارك بحكم سلطاته الدستورية وبعد متابعته واهتمامه الكبير للمناقشات المطولة التي دارت حول مشروع القانون قرر إلغاء المادة التي تقضى بالحبس والغرامة في جرائم الطعن بالقذف في الذمة المالية للموظف العام".
كما تصدت النقابة، إلى قانون الطوارئ وطالبت مرارًا من نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك إلغاءه حفاظًا على الحريات.
معركة مرسي
وخلال حكم الرئيس المعزول محمد مرسي انتفض الصحفيون بإعلان حجب الصحف الثلاثاء 12 أبريل عام 2012 اعتراضًا على الإعلان الدستوري الذي أصدره في 22 نوفمبر وممارسات التضييق على حرية الرأي والتعبير في مشروع الدستور الجديد للبلاد.
ودعت النقابة إلى وقفة احتجاجية ومسيرة إلى ميدان التحرير للانضمام إلى المحتجين المعتصمين الذين يرفضون الإعلان الدستوري، وتشكيل الجمعية التأسيسية التي وضعت مسودة الدستور، لتشارك بذلك النقابة ابناء الشعب المصري في كافة احداثه السياسية والاجتماعية بثورتي 25 يناير و30 يونيو وانطلقت المسيرات للمطالبة بالحرية من على سلالمها.
معركة الإرهاب
أعلنت نقابة الصحفيين عام 2015 رفضها التام لعدد من المواد التي تم إقرارها في مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" واصفةً القانون بأنه يعيد من جديد القيود التي ناضلت الجماعة الصحفية لإلغائها عبر عقود من تاريخها، وتم تتويج هذا النضال في نصوص دستور 2014 وشددت النقابة على أن مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" به العديد من المواد التي تخالف بشكل صريح المادة 71 من الدستور.
وطالبت النقابة المسئولين في الدولة، أن يعيدوا قراءة نص المادة 33 من مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" وهى المادة التي تنص على أنه "يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن".
ونجح الصحفيون في تعديل نص المادة ومنع الحبس للصحفيين والاكتفاء بالغرامة المغلظة في حال نشر أخبار كاذبة وإثبات ذلك، ولا زالت النقابة منبر الحرية وقلعتها للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ويظل شعاع النور هو القلم الذي يكتب فيغير الواقع وينمي البلاد ويكشف الفاسدون والفساد.
أزمة النواب
وتسبب اعتداء نائب بالبرلمان في فبراير من عام 2016على أحد الزملاء في غضبة النقابة التي قررت مقاطعة تغطية جلسات المجلس، إلا أنه سرعان ما أصدار الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب بيانًا قدم خلاله اعتذاره واحترامه للصحفيين وناشدهم عدم مقاطعة الجلسات.
وجاء في اعتذار رئيس النواب،:"يعز علينا جميعاً ما تناقلته وسائل الإعلام من دعوة نقابة الصحفيين التى نجلها ونحترمها بما تتضمنه من كوكبة عظيمة من رجال صاحبة الجلالة ، للصحفيين العاملين داخل البرلمان من التوقف عن تغطية أعماله فوراً لحين التحقيق فى واقعة الاعتداء على أحد الزملاء "
وتابع،:"ونحن من جانبنا نجل ونحترم نقابة الصحفيين التى تمثل جموع صحفيى مصر الذين نعترف بدورهم الوطنى فى نقل الحقائق إلى الشعب ، والذين يسهمون بدور عظيم فى إثراء الحياة السياسية وينقلون بكل أمانة واقتدار نبض الشعب إلى المجلس ، ودور البرلمان فى تحقيق آماله وطموحاته".
وأردف،:"نحن من جانب آخر لن نألو جهداً فى تسهيل مهام الصحفيين فى تغطية أعمال المجلس ولجانه ، والتعاون مع نقابتهم السامقة من أجل تذليل أى عقبات تحول دون بلوغ الأهداف التى نرنو إليها جميعاً ، فالصحافة بلا شك هى مرآة عاكسة لتاريخ وحاضر ومستقبل مصر، وإننا لا نرضى بأى صورة من الصور أى اعتداء أو توجيه أى إهانة لأبنائنا من حملة مشاعل الثقافة والتنوير ، راجين السيد الأستاذ يحيى قلاش نقيب الصحفيين ، العدول عن هذا القرار ، وسوف نعمل سوياً على التغلب على كل من شأنه تغذية الخلف أو الخلاف".
ولا تزال نقابة الصحفيين، تملك روح القلم، ورسالته في نشر العلم والثقافة والتوعية في ربوع الجمهورية؛ بما تملك من كوادر صحفية متميزة، وإن مرت بكبوات فطريق النجاح والحرية ليس مفروشًا بالورود.