الأزهر يحذر من تنامي العنصرية مع تفشي كورونا في العالم
- ياسر خفاجيحذر مرصد الأزهر في تقريره اليوم الأحد، من تنامي العنصرية مع تفشي فيروس كورونا في أغلب دول العالم، موضحا أنه بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة والربط بين الإرهاب والإسلام، شنّت هجمات عنصرية وتمييز ضد المسلمين في أنحاء العالم، الأمر الذي امتد إلى وقتنا هذا، وهو ما أدى إلى ظهور ما يعرف بـ "الإسلاموفوبيا"؛ نتيجة لارتفاع عدد حوادث الاعتداء على المسلمين سواء لفظيًا أو جسديًا.
وتابع: رغم ما خلّفته هذه الهجمات العنصرية ضد المسلمين من آثار سلبية على المجتمعات الغربية وغيرها وعلى المسلمين أنفسهم، إلا أن الصورة الحالية تؤكد أن العالم لم يعي بعد خطورة التعميم والتمييز والعنصرية على الحياة الاجتماعية والقيم الإنسانية، فاليوم يتكرر الأمر ويطفو على السطح ما أطلق عليه البعض "الكورونافوبيا" إسقاطًا على حالة الخوف من الإصابة بفيروس كورونا وما صاحب هذه الحالة من ربط غير منطقي بين الفيروس وكل شخص يحمل الملامح الآسيوية نتيجة لبدايات ظهور فيروس "كورونا" في الصين.
"كورونا" وانتهاج العنصرية
ورصد عددًا من الأحداث الخطيرة التي صاحبت ظهور فيروس كورونا، والتي دفعت مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى دق ناقوس الخطر بعد تصاعد حدة حوادث العنصرية والتمييز خلال هذه الفترة المهمة من عمر الإنسانية، حيث وقعت العديد من الحوادث القائمة على مشاعر الكراهية والخوف نتيجة لهذا السيل العارم من المنشورات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك المواقع التي غزت البيوت وأصبحت أحد أركانه والمتحكم في مشاعر أفراده وتوجهاتهم.
فمنذ ظهور الفيروس في "ووهان" الصينية، شنت حملة تمييز واضحة ضد ذوي الملامح الآسيوية بعدة بلدان في العالم؛ الأمر الذي دفع مجموعة من الشباب الآسيوي إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل "تويتر"؛ للتعبير عن استيائهم من تلك الهجمة العنصرية عبر إطلاق وسم "أنا لست فيروسًا" والذي تم تداوله بأكثر من لغة في العالم.
ويرجع لجوء هؤلاء الشباب إلى ذلك بسبب التعليقات العنصرية والنكات الساخرة المتزايدة ضدهم خلال الآونة الأخيرة، والتي وصلت إلى حد المضايقات في المواصلات العامة وعند التسوق، وحتى الأطفال والمعلمين من الأصول الآسيوية لم يسلموا منها مثل ما شهدته المدارس في المملكة المتحدة من إساءات لفظية وتهكم تجاه العاملين من أصول آسيوية بها. الأمر الذي دفع نقابة المعلمين في بريطانيا إلى إصدار بيان تؤكد فيه تلقيها العديد من البلاغات من أعضائها نتيجة سوء المعاملة والتحامل والكراهية التي ارتفعت وتيرتها بشكل كبير منذ تفشي فيروس كورونا في البلاد.
وليس ببعيد عن بريطانيا، نجد أن أوكرانيا ـ على سبيل المثال ـ شهدت حادثين يعبران عن مدى الهشاشة النفسية التي يعاني منها الناس حاليًا، ففي بداية الأزمة هاجم العشرات من المحتجين حافلات تقل أشخاصًا تم إجلائهم من الصين عقب ظهور الفيروس، على الرغم من إعلان الحكومة عن عزمها وضع العائدين في الحجر الصحي لمدة 14 يومًا بأحد المستشفيات.
وهذا ما دفع الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي"، وقتها إلى حث المحتجين على التعاطف مع هؤلاء العائدين، تلك الواقعة لم تكن بعيدة عن سلاح "الشائعات" الذي يظهر في وقت الأزمات، حيث أعلن جهاز الأمن أن رسالة البريد الإلكترونية المنسوبة لوزارة الصحة حول إصابة الذين تم إجلاؤهم من الصين بـ "كورونا" مزيفة أي أن المعلومات المغلوطة المتداولة ساهمت أيضًا في تأجيج مشاعر الخوف والكراهية تجاه العائدين من الصين في أوكرانيا. وذلك ما حذّر منه فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في كلمته للعالم حول فيروس كورونا عندما قال: "ومما يحرم شرعا في هذه الظروف، اختلاق الشائعات وترويجها وبلبلة الناس وترويعهم وإفقادهم الثقة في الإجراءات التي تتخذها الدولة لحماية الوطن والمواطنين".
ومؤخرًا نشرت صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية على صفحتها بـ "تويتر" مقطع فيديو يوثق لحظة قيام عدد من الركاب الأوكرانيين بركل وسحل شخص بسبب سعاله، وذلك بأحد حافلات النقل العام دون أن يتحرك أحد لنجدة الشخص من هذا الاعتداء الوحشي. وبهذا نجد أن هذه الهجمة العنصرية لم توجه ضد الآسيويين أو الصينيين فقط، بل امتدت لتشمل الذين يسعلون أو تظهر عليهم أي من أعراض نزلات البرد وإن كانوا يحملون نفس جنسية المعتدي عليهم.
واتخذت العنصرية شكلًا آخر في المنطقة العربية، حيث تم تداول عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك" و"تويتر" العديد من المواد الساخرة عن الصينيين، والتي تنوعت بين النكات والصور ومقاطع الفيديو المركبة إلى جانب تداول معلومات مغلوطة عن الثقافة الصينية. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل خرجت دعوات محدودة من البعض لطرد العاملين من الجنسيات الأخرى، محملين إياها مسئولية تفشي الفيروس في بلادهم.
الأحداث المرصودة هي جزء من سلسلة الاعتداءات العنصرية والتهكم والتمييز ضد كل من يحمل ملامح آسيوية، أو المهاجرين في البلدان التي تعاني من تفشي الفيروس، وما ساهم في توسعة دائرة هذه الهجمة العنصرية سرعة الانتشار الذي تحققه المواد العنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يلجأ الناس إليها في ظل الحجر المنزلي المفروض في الكثير من دول العالم لمعرفة كل ما يدور حول الفيروس، مما زاد من فرص قراءتهم ومتابعتهم لتلك المواد التي ينشرها ضعاف النفوس والمتطرفين فكريًا والأنانيين ــ وهم نوع من الأشخاص فضل مصلحته الشخصية على غيره بل وحض على كراهية كل من لا يحمل جنسية بلده في ظل هذه الأزمة ــ ؛ وبلا شك فإن كثرة المتابعة والقراءة لتلك المواد ذات الطابع العنصري يترك تأثيرًا سلبيًا في النفوس ويعزز مشاعر الكراهية والخوف خاصة مع الربط المتواصل بين الفيروس ومكان ظهوره في الصين بوسائل الإعلام العالمية.
مواقع التواصل الاجتماعي وتنامي العنصرية
لذا ليس من المستغرب أن يطالعنا تقريرٌ نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية على موقعها الإلكتروني في 27 مارس بعنوان: "تقرير جديد يكشف تصاعد خطاب الكراهية تجاه الصين والشعب الصيني على تويتر بنسبة 900% بسبب وباء كورونا"، بإحصائية تشير إلى ارتفاع خطاب الكراهية تجاه الصينيين على "تويتر" بنسبة 900%، إلى جانب رصد بعض وسائل الإعلام التي تشجع على رد فعل عنيف ضدهم مثل ما تم رصده من مقطع فيديو بأحد القنوات الأسترالية يرجع سبب انتشار الفيروس إلى الصين، وبأسفل الفيديو أكثر من 5 آلاف تعليق أغلبها مسيئة للشعب الصيني.
كما سُجلت زيادة بنسبة 200% في زيارة مواقع الكراهية، ووجدت الإحصائية أن "التغريدات المسيئة" تستخدم لغة صريحة في اتهام الآسيويين بحمل فيروس كورونا ولوم واضح لهم في نشر هذا الفيروس في العالم. ولفت التقرير إلى قيام مركز مكافحة الكراهية الرقمية في المملكة المتحدة " CCDH" بتتبع 50 حسابًا على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر معلومات مغلوطة عن الصحة والفيروس، مما يُعزز مشاعر الخوف والكراهية في آن واحد.
وأرجع المركز نشر هذه المعلومات الخاطئة إلى نوعين من الأشخاص، الأول: "المتطرفون" الذين يسعون لتقويض الثقة في الحكومة والمختصين، والثاني: "المتشائمون" الذين يبيعون علاجات كاذبة ومعلومات مضللة معتقدين أنهم بفعل ذلك ينشرون النصيحة الصحيحة.
ويقودنا هذا إلى ما نشرته صحيفة "تليغراف" البريطانية في تقريرها بتاريخ 26 مارس، بعنوان: "منكرو كوفيد: كيف تنشر مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي الغامضة الخرافات عن فيروس كورونا؟"، عن رصد عدد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية ظهور فيروس كورونا، يصل عدد أعضاء تلك الصفحات إلى أكثر من 800 ألف مستخدم، وهى تروج للكثير من المعلومات المضللة حول الفيروس أيضًا في بريطانيا.
ووفق ما تم رصده في التقرير غلب على عدد من مقاطع الفيديو المتداولة حول الفيروس "الطابع الديني"، حيث تم رصد منشور تابعه ما يقرب من 17 ألف شخص يقدم معلومات مغلوطة على "فيس بوك" في شكل ديني، كما تم رصد مقطع فيديو حقق نسب مشاهدة وصلت إلى 40 ألف لامرأة تصف نفسها بأنها متخصصة في المجال الصحي عبر صفحتها الشخصية على "فيس بوك" وتقدم نصائح طبية خاطئة عن الفيروس. إلى جانب رصد معلومات مضللة في الفترة بين يناير ومارس 2020 بعدد من وسائل الإعلام تتهم المهاجرين بالتسبب في نشر الفيروس، مما يعقد الأمور في أوروبا ويزيد من وتيرة الهجمات العنصرية والتمييز.
هذه المعلومات المغلوطة المتداولة دفعت منظمة الصحة العالمية إلى التحذير مرارًا وتكرارًا من خطورتها على الجهود المبذولة للتصدي لتفشي فيروس كورونا. ولا يقف الأمر عند حد تخريب الجهود المبذولة للحد من تفشي الفيروس، بل تساهم هذه المعلومات الخاطئة في شحن النفوس بالخوف الذي يرافقه تلقائيًا الكراهية لمكان ظهور الفيروس ــ بناء على حالة الربط المتواصلة بين الفيروس ومكان ظهوره في وسائل الإعلام ومواقع التواصل وحتى على لسان بعض السياسيين ـــ وأيضًا لأي شخص يظهر عليه أي من أعراض "كورونا"؛ الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة على الصعيد الإنساني.
يدق مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ناقوس الخطر من جديد بعد تصاعد حدة اللهجة العنصرية خلال الآونة الأخيرة مع تفشي فيروس كورونا في أغلب دول العالم، والتي لم تقتصر على الأشخاص من الأصول الآسيوية فقط بل امتدت بين أبناء البلد ذاته. وإذا كان الغرض من "التباعد الجغرافي" الذي دعا إليه جميع المسؤولين في العالم هو الحفاظ على النفس البشرية والوقاية من العدوى الفيروسية، إلا أن هذه الأزمة صاحبها ظهور نوع آخر من التباعد وهو "التباعد الإنساني" الذي يعد أمرًا في غاية الخطورة؛ لغلبة مشاعر مثل "الأنانية" و"الكراهية" على تصرفات البعض مما أثر سلبًا في حياة غيرهم.
ويرى مرصد الأزهر أن وباء كورونا هو اختبار حقيقي للقيم الإنسانية التي أرستها جميع الأديان، وأن العالم الآن يعاني من وباء لا يقل خطورة عن "كورونا" وهو "العنصرية". ونبرز هنا ما أكده فضيلة الإمام الأكبر في كلمته إلى العالم حول فيروس كورونا من قيم إنسانية: "... وأؤيد أن تقديم يد العون والمساعدة من القادرين إلى كلِ المتضرّرين والمنكوبين في أية بقعة من بقاع الأرض، لهو واجب شرعي وإنساني، بل تطبيق عملي للأخوّة الإنسانية، التي تضعها هذه الأزمة على محك اختبار حقيقي، يكشف عن مدى صدقنا والتزامنا بتباينها السامية".