المجند "حسن البعلي " رفيق المنسي في الكتيبة 103 صاعقة: خدمتي في سيناء ما هي إلا دعوة استجاب لها المولى

"أحمد المنسي" ظل في حداد 5 أيام على الشهيد  المقدم " رامي حسانين" فور وصوله الكتيبة وأول ما قاله لنا "أنتم أولادي "المهم نبقى رجالة مع بعض.

 

حاورته: عبير العربي.

 

لحظة حمل جثامين زملائي كانت هي الأصعب في حياتي وبكيت عندما رأيت جثة البطل "علي " ورافقت" تايسون" و"السفاح" و" أبو عميرة "و"فتحي" و"باسل "داخل المستشفى حتى الاستشفاء .

 

أطالب الدولة بتوفير فرصة عمل مناسبة وانتظر لقاء المحافظ أما " الرئيس" أقول له"عايز أروح سيناء من تاني".

 

 

كان واحدا من أبطال كتيبة خط النار وفي قلب النار، جاء شاهدا على أعنف وأشرس معركة واجه فيها جيشنا الأبي عناصر الطغاة والإرهاب التكفيريين الخونة الضاليين، جاء المجند" حسن محمد فتحي البعلي"، صاحب ال24 عاما ،والذي قضى فترة تجنيده بالقوات المسلحة طيلة ال3 سنوات داخل الكتيبة 103 صاعقة بسيناء، والتي كانت أمنيته منذ التعبئة أن يكون هناك محاربا ومدافعا ومقاتلا وشهيدا، هكذا قالها لنا، تمنيت أن أخدم في سيناء ، وأن أقاتل في سبيل الله والوطن ، وأكون شهيدا، ربما استجاب الله منه دعاءه بالخدمة داخل أطهر بقعة في بلادنا ،يحارب من أراد أن يدنسها ،قاتل ،وحارب ،وواجه ،لكن إرادة الله وعنايته ،حفظته ،حتى يكون من الشهود العيان ، في معركة هي الأصعب والأعنف ،ليكون بمثابة ذاكرة متحركة لا تنسى أبدا ساحات النضال، ليبقى حيا وليبقى التاريخ مسجلا دون أدنى تزييف أو تلاعب.

 

المجند "حسن البعلي" أثناء إجراء الحوار ، جاء لنا حاملا شهادات التقدير الذي حصل عليها من قادته ومن الشهيد البطل المقدم "أحمد المنسي" ، والتيشيرت الذي أعطاه له عندما ناداه ليلا " يا حسن تعالى خد التيشيرت ده خليه معاك"  ،ثم امسكه بكتفه وقال مجددا "خد بالك من زمايلك دول أخوتك" ، وتيشيرت آخر صنعه هو -المجند حسن- وكتب عليه عبارات "لو العمر لحظه عايز أعيشها منسي".

 

حسن البعلي نريد أن نبدأ  معك منذ بداية اللحظة الأولى داخل أرض سيناء! هذا ماطرحناه وما يأتي هو ما رواه !

 

كان نفسي جدا منذ اللحظة الأولى لدخول الجيش أخدم في سيناء ،أقسم بالله تمنيتها ومن الله طلبتها ،وقد استجاب دعائي، خدمتي في سيناء ما هي إلا دعوة ولبيت لي، وبالفعل دخلت إلي سينا في شهر أبريل 2016، كان عملي الأول تحت قيادة المقدم البطل الشهيد رامي حسانين ،كان قائد همام وخلوق جدا في التعامل معنا ،ارتبطنا به كثيرا ،كان دائم الحرص والخوف علينا ،وكان دائم النصيحة والتوجيهات،واستطعنا داخل الكتيبة 103صاعقة  أن نحقق انتصارات كثيرة من خلال الكثير والكثير من المداهمات في منطقة الشيخ زويد ، ورفح ،وتصفية الكثير من العناصر التكفيرية، والقبض على عدد كبير أيضا، ليستشهد المقدم رامي في إحدى المداهمات، وأكملنا المداهمات مع  المقدم أحمد رضا وكملنا المهام الوطنية، وحققنا ضربات موجعة كثيرة أيضا .

 

بعد استشهاد المقدم رامي حسنين ،كنا نرتقب القائد الجديد الذي سيتولى مسئولية الكتيبة والأعمال القتالية،وبدأ يتردد على مسامعنا اسم القائد المنسي ،والحقيقة أن كل ما قيل عنه مسبقا قبل أن يأتي إلينا لا نستطيع أن نقول إلا كما يقال "رجل سمعته سبقاه"، وبالفعل وصل المقدم المنسي إلي الكتيبة ،ودخل المبيت الخاص به مدة 5 أيام كاملة لم نراه، لإنه كان في حالة حداد وحزن كبير على استشهاد المقدم رامي.

 

جمعنا بعد ال5 أيام المقدم المنسي قائلا "أنتم أولادي، كل اللي جاي خير ، المهم نكون مع بعض رجالة،وكانت أول مداهمة قادها القائد المنسي كنت مرافق له ،فأنا كنت المجند المختص بالدورية الخاصة به، وخالد السفاح، وباسل رفعت، وقتها اضرب علينا نار كثيفة ،لكننا نجونا وصفينا عدد من الإرهابين الذين استهدفونا وقبضنا على آخرين أحياء، والإرهابين نوعان ،نوع كان مرابط على عقيدته ويظن إنه على صواب،ونوع مأجور كان يبكي من الرعب والخوف وما ينتظره من مصير مظلم.

 

بدأنا نستعد لمداهمات شاملة على نطاق أوسع ، ومنها نصبنا كمين "نجع شبانة" داخل الشيخ زويد في 10 رمضان 2017،وبدأنا في تنفيذ العديد من المداهمات ،بعدها نزلت إجازة العيد ،ثم عدت بعدها ، وقعدت في الكتيبة 103 في العريش ،وبدأت "موقعة البرث" ، كنت وقتها من قوات الدعم بقيادة الرائد أحمد يوسف ، وكما أظهر تفاصيل مسلسل الاختيار، تحركنا وكانت المسافة ما بين الكتيبة وكمين البرث في رفح ما يقرب من الساعتين ،وطبعا كان الوصول به معاناه  نتيجة زرع العبوات الناسفة  ،لكننا وصلنا وحملنا جثث شهدائنا والمصابين ومنهم جثمان الشهيد القائد أحمد منسي.

 

شعرت وقتها أنني داخل حلم أشبه بالكابوس،منذ خروجي مع قوات الدعم ،سألت نفسي ألف سؤال،ماذا لو ذهبت ووجدت أن المنسي قد أستشهد،ورفقائي المقربين ،كنت أدعوا الله لحظيا أن أذهب لهم وأجدهم حتى مصابين، لكن قدر الله ليس له علاقة بالتمني، أستشهد أحمد محمد نجم ،وفراج، وعلي علي، ومحمود صبري، تذكرت مع بدء حمل الجثث كل كلمة كان يقولها لنا البطل المنسي،منذ اللحظة الأولى لوصوله الكتيبة ،وحتى اللحظة الأخيرة قبل الاستشهاد، كنت أبحث عن زملائي برعب وقلب منكسر،وقتها بكيت بشدة ، على من استشهدوا ،ورافقت زملائي المصابين داخل مستشفى العريش العسكري، وهم، أبو عميرة،وتايسون، وخالد السفاح، وفتحي، وباسل، واعتصرني الحزن على استشهاد المجند البطل علي علي.

 

كنت داخل المستشفى حاضرا بجسدي ، أما وعي فكان حرفيا مع المنسي وممن استشهدوا تذكرت سنوات مضت عندما كان الشهيد المقدم المنسي يرفض أن يبقى ونحن نخرج المداهمات ،كان يتقدمنا ويجعلنا دائما وراء ظهره وكأنه كان يحمينا فيه،تذكرت يوم أن ناداني في وقت متأخر من الليل قائلا،  خد تعالي يا حسن ، ذهبت مسرعا، ليقول لي دون مقدمات ، خد خلي التيشيرت بتاعي ده معاك، واخذته وقدمت التحية وانصرفت، وقتها دماغي فضلت تودي وتجيب ، لكنني هربت من التفكير الذي سيطر علي وقتها بخوف كبير عليه، وتذكرت أيضا  كلما مر القائد  المنسي أمام مدرسة نزل وصافح التلاميذ الصغار وكلمهم عن الجيش ودوره ،ويعطيهم من التعيين ،ويلتقط معهم الصور ،كان التلاميذ والطلاب والمدرسين مرتبطين كثيرا بالمنسي، وكان حريص دائما أن يصلح من الأخبار المغلوطة .

 

القائد المنسي،  كان عهده عز بالنسبة لنا ،أتذكر أنه قد قرر بناء مبنى  داخل الكتيبة وأحضر مقاول وقال له الرجاله اللي هتساعدك من عندي مش من عندك ،وتعطيهم حقهم وتعبهم ،وبالفعل كنا أصحاب دخل يومي من أعمال البناء والتشييد ،ده غير  المكافآت اللى كانت بتتصرف لينا بسببه وعن طريقه، وتقريبا أعلى دخل كان بالنسبة لي هي فترة تجنيدي وخاصة معه.

 

القائد المنسي، كان موفر لنا اتصالات وتليفونات وكان حريص على تواصلنا مع أسرنا وكان دائما يقول لنا"طمنوا حبايبكم"، وكان حريص على تسجيل وتأريخ كل لحظة بالتصوير  التوثيق ،كان صانع أحداث بطولية ومهتم بتوثيقها.

 

من التفاصيل التي لا يمكن أن أنساها واتذكرها كلما استعدت شريط أحداث هو الأهم في حياتي أن اثنين من خيرة القادة استشهدوا في سيناء في أقل من عام، أتذكر حالة اليقظة وشدة الدوريات على مدار 24 ساعة، ولحظية التعامل مع التكفيرين ، وحرصه على تناول الإفطار بيننا نحن المجندين في رمضان وترك فطاره ومكانه بين القادة، وعبارات الثناء والتحفيز عند العودة من كل مداهمة، المنسي شريط حياة لا يمكن نسيانه.

 

ونحن نقترب إلي ختام اللقاء، ينهي حسن روايته داخل فترة تجنيده بالكتيبة 103 قائلا، أعمل حاليا بشغل غير مستقر ،ولدي رخصة سواقه أعمل بها، صحيح أنا آخد على الشقى من صغري لكن الجيش أعاد بناء الرجولة والمسئولية داخلي،أتمنى مقابلة حمزة ابن الشهيد المنسي ،عايز أصافحه،وأقوله أبوك بطل ،وانا شاهد،  وأتمنى الحصول على وظيفة مناسبة أكمل بها مشوار حياتي، وأطالب الرئيس السيسي بإعادة تجنيدي من جديد على أرض سيناء، وعايز أقوله أنا يا ريس عشت لحظتين مختلفتين تماما ،ما بين فرحة التجنيد في سيناء ومابين حزن عميق أثناء مغادرتي للجيش،فأعد لي السعادة بالتصديق على إعادتي لصفوف المجندين هناك.

 

وإذا كان البطل الحي حسن البعلي قد رواى ما سجلناه وبما كان شاهد عيان عليه،لابد وأن أسجل بصفتى الصحفية التي أدارت معه الحوار أنه كان شديد الصدق وهو يتمنى عودته إلي سيناء كانت عيناه تنفجر من بريق صدقه وتمنيه ،جاء حاملا بعض المطالب مثل رغبته في الحصول على الوظيفة مطالبا بها  بهدوء جم يشبه تماما ملامح شخصيته الهادئية ،لكن توهج وانتفض وشد قامته مطالبا بإعادة تجنيده وعودته إلي صفوف جيشه،فلا نقول إلا كما قيل سابقا وكثيرا ،هؤلاء هم خيرة أبناء مصر ،هؤلاء خير أجناد الأرض.