شهور ثقال مرت على البشرية في أغلب بلدان العالم وسط انتشار خطير لوباء كورونا ، الذي كانت مدينة ووهان الصينية أولى محطات انطلاقه ليغزو العالم بمنتهى الشراسة حتى وصل إلى مصر في مطلع شهر فبراير من العام الجاري .
وفي واقع الحال فإنه لا أحد ينكر مدى حساسية الفترة التي تمر بها مصر حالياً في ظل الانتشار الكبير لفيروس كورونا المستجد ، وهو ما يستدل عليه من متابعة ارتفاع نسبتي الإصابات والوفيات بين المواطنين .
ومع التقدير الكبير لكافة الجهود التي تبذلها الدولة ممثلة في وزارة الصحة وجميع الأجهزة المعاونة لمواجهة الجائحة والتقليل قدر الإمكان من آثارها السلبية عبر تطبيق الكثير من الإجراءات الاحترازية والوقائية .. لكن يبقى الخطر المحدق بنا مخيفاً .
وطوال الشهور الماضية فرضت الحكومة بعض القيود على التجمعات البشرية عبر تطبيق استراتيجية التباعد الاجتماعي بتعليق أنشطة الكثير من المجالات الجماهيرية مثل الأندية الرياضية والاجتماعية والمقاهي والسينمات ، بخلاف فرض حظر تجوال جزئي على حركة المواطنين والزام المحال العامة والخاصة بغلق أبوابها في مواعيد محددة .. إلا أنه لم يكن من المتصور أن تستمر هذه الحالة خصوصاً في ظل تأثر ملايين المواطنين من توابعها بصورة مباشرة ، بخلاف تراجع الاقتصاد الذي زاد من معاناة رجل الشارع .
كل ما سبق وغيره فرض على صانع القرار نتيجة محتومة وهي اعادة فتح أبواب الحياة مرة أخرى فيما عرف بخطة التعايش الآمن مع فيروس كورونا ، وفق ما أعلنه رئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولي والذي يتضمن عددا من القرارات المتعلقة بإعادة فتح البلاد بالتماشي مع خطة الحكومة "التعايش مع فيروس كورونا" والتي تشمل الفتح التدريجي لبعض الأنشطة والقطاعات التي كان تم تعليقها طوال الشهور الماضية وفي مقدمتها فتح دور العبادة من مساجد وكنائس لأداء الشعائر اليومية مع استمرار تعليق الشعائر الأسبوعية .
ومع التسليم بأن مسألة التعايش مع كورونا قد تكون الخيار الأخطر ، لكنها أيضاً الخيار الوحيد المتوافر بين أيدي البشر حاليا فهي وإن كانت معادلة في غاية الصعوبة ، لكن ربما ما يقلل من خطورتها مقدار النجاح في تحقيق التوازن بين أهمية حياة البشر وصحتهم من جهة ، وأولوية ذلك وبين تحريك عجلة الاقتصاد والحفاظ على استمراره ونجاحه من جهة أخرى .
ويبقى الرهان الأكبر على نجاح هذا الخيار هو وعي الفرد ، ومدى اتباعه كل التعليمات وحماية نفسه ومن يحب والمجتمع من تفشي هذا الوباء ، فمما لا يقبل الشك أن الحكومات وحدها لن تستطيع تحقيق العبور الآمن مهما بذلت من جهود وعزّزت من إمكاناتها الطبية ، فإنها لن تستطيع الصمود دون وعي وتعاون أفراد المجتمع .
خلاصة القول إذاً أنه من الخطأ تماماً الاعتقاد بأن الغاء الإجراءات الاحترازية وحظر التجوال من جانب الحكومة معناه زوال الخطر أو حتى انخفاض حدته ، فهذه قرارات الضرورات .. وعلى كل مواطن أن يتحلى بأقصى درجات المسئولية والوعي الشخصي ، فكل فرد أصبح مسئولاً عن نفسه وأسرته بل ووطنه فلابد من اتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر حتى لا تتحول خطة التعايش مع وباء كورونا إلى انتحار جماعي .