قواعد الأدب في ممارسة قلة الأدب !!
عبير العربى
بالتقريب كده مافيش بنت أو إمرأة مشيت في شوارع مصر المحروسة ويتم إعادة التحدث عن وقائع التحرش أمامها إلا وتذكرت موقف أعاد لها طيف مؤلم ل اعتداء لفظي أو جسدي عليها أو على أحد معارفها، فالتحرش في معظم أحواله أصبح فعل لصيق بالكثيرات منا، وأنا واحدة منهن للأسف، وقد تجد قصصا لا حصر لها تحدثك عنها الفتيات إذا ما سمحت ظروفهن الاجتماعية في التعبير لها عن ذلك، أو إذا جاء اليوم وقررت الثأر لنفسها فأستدعت قوتها وتحدثت عن تجاربها مع مواقف الاغتيال النفسي في تجارب هي الأكثر قسوة داخل وجدان المرأة بشكل عام.
ولأنني واحدة من هذا الجمع -وليس ذلك فقط- ولكن لأن مهنتي كصحفية وضعتني في دائرة هذا الملف، فأقول لك بداية كنوع من الايضاح، كل بنت حرصت على شق مستقبلها وبناء ذاتها من نقطة الصفر وقررت خوض الواقع العملي واضطرت النزول للبحث عن منطقة التحقق والإستقرار والإستكمال لحياتها لم تنجو من هذا الفعل الفاحش، لإنها ببساطة كانت الأكثر إحتكاكاً بالشارع وغرائز المتحرشين الذين يتجولون بيننا وكأنهم مناديب لبيع رذائل سلوكهم بالمجان، وهم يعلمون أنهم في المقابل يأخذون من أرواحنا ثمناً باهظاً لا نحتمل دفعه على الإطلاق لكنه سلب منا رغما عنا.
أتذكر في كل حملة تشنها الدولة بمؤسسات ذات صلة بحقوق المرأة على ظاهرة التحرش وتجدد تداعياتها إذا ما قررت فتاة أن تجعل من قضيتها رأي عام وتقوم بتدويلها بحثاً منها عن انتزاع حقها وسط مجتمع لايزال يبرر التحرش -أه والله- ويجعل من رذائل سلوك المجرمين مخرجاً يكمن في "لبس البنات "وشكلهن، وكأن المجتمع لا يسجل وقائع اغتصاب للقاصرات والقاصرين، وغير المحجبات، وسيدات تخطوا سن ال٥٠ وال٦٠من أعمارهن، وكأن الملف في مجمله قد خلا من زنا المحارم وما شابه من صدام نفسي يخلق يوميا حالة من عدم الاتزان إذا ما قررنا الاقتراب من تلك الدوائر، المهم، أتذكر مع كل حملة تعلن الغضب على ظاهرة التحرش، موقف يتم استدعائه بشكل لحظي وصديقتي صديقة العمر والدراسة، تحدثني بألم عن موقف قد تعرضت له وهي عائدة في أتوبيس "السوبرجيت" من القاهرة إلي الإسماعيلية خلال إجازتها الأسبوعية بعد أن صنعت مستقبلها في إحدي الشركات الكبرى بالقاهرة واستقرت بها وأصبحت الإسماعيلية لها مجرد إجازات أسبوعية لزيارة العائلة، حدثتني ربما من منطلق أنني صديقتها لكن الهدف الأكبر كان لأنني صحفية لي دور ينبغي أن يكون جاداً، قالت لي حرفياً: عندما صعدت إلي الأتوبيس وجلست على الكرسي الخاص بي جاء أحد الرجال وجلس جواري وهو أمر يحدث في المواصلات العامة فليس لنا حق الإختيار فيمن سيجلس جوارنا من حيث النوع، وبعد أن قطع الأتوبيس بعض من الكيلومترات بدأت تنتبه صديقتي إلى أن هذا الرجل قد شرع في مد يده على جسدها ومع حالة م اللخبطة وإدعاء الثبات والإنتباه بدأت تحذره وسط خوف قد ألم بها بنوع من الهدوء وحدة الملامح ومع تكرار الفعل وما أن همت بالصياح، إلا إنه بصوت جهوري اتهمها بتحريضها له على الرذيلة ومساومته، وإلا استخدمت معه سلاح الفضيحة ونفوذ عائلتها، وهنا استطاع أن يقلب الدنيا على رأسها ويحولها داخل أتوبيس شرق الدلتا من مجني عليها لجانية، هنا رفضت صديقتي الاستسلام واتصلت بوالدها وشقيقها وروت لهما ما تعرضت له، فأبلغ والدها البوليس وداخل موقف الأتوبيس اجتمع كل الخصوم، ومنه توجه الجميع إلي قسم الشرطة ، ووسط نصائح بأنها فتاة ومن الأفضل التنازل عن المحضر لمصلحتها ولمصلحة سمعتها وسمعة أسرتها وتحت ضغوط كبيرة إضطرت إلي التنازل.
الحقيقة لم تكن تلك الحكاية هي التي استوقفتني في روايتها مع التحرش، ولكن كم الإحباط التي عاشت به والشعور بالإنكسار النفسي الذي لازمها ، والتسليم الكامل التي أقرته أيضاً في رد فعلها تجاه وقائع التحرش التي تعرضت لها مرات هو كان الأكثر ألماً لي ، خاصة مع رفضها القاطع لكل نصائحي لها بعدم الصمت، وأتذكر وقتها إنها طبطبت على كتفي وقالت: بتهيألك، إنتي ماشوفتيش نظرات الناس لي في الأتوبيس، خاصة وإني "مش محجبة"، والطريقة اللي اتقابلت بها داخل القسم رغم وجود والدي وأخويا ، قلت لها، يعني خلاص قررتي تسلمي جسمك، ردت تقريبا كده لغاية ما الغابة تنضف !! لتتركني وأنا أشعر بمرار لا أول له ولا آخر.
اقرأ أيضاً
- القائمة المصرية تحيا مصر تطعن علي إستبعادها من انتخابات مجلس الشيوخ بالإسكندرية
- اول طعن رسمي بسبب إستبعاد 2 مرشحين من مجلس الشيوخ بالإسكندرية
- محافظة الغربية تتصدي للبناء المخالف علي الأراضي الزراعية
- صالح.. يؤكد علي تطبيق التصحيح الآلي وسرعة إعلان النتائج
- حملة تموينية مفاجئة فجر اليوم على مخابز المحمودية
- بطولة لكرة القدم بين أكاديميات المحافظه لأختيار المواهب
- وصول اول طائره من بلجراد الي مطار الغردقه الدولي علي متنها 180راكبا
- صحة بالبحر الأحمر دعم عام الغردقة بأحدث جهاز اشعة ماموجرام (جهاز اشعة لفحص أورام الثدى) بتقنية 3D
- بعد 22 سنة ”حنفي” يزف بشرى سارة ويعلن تشغيل منظومة الصرف الصحي بالغردقة ديسمبر القادم
- المرشح عن القائمة الوطنية بالبحر الاحمر يؤكد، مدرك جيدا لمشاكل المواطنين بالمحافظة
- مدير مكتب المصري اليوم يتقدم باوارقه للشيوخ وإجمالي المرشحين 10 علي المقعد الفردي
- إستبعاد 6 مرشحين وقائمتين من انتخابات مجلس الشيوخ بالإسكندرية
هي لا تعلم ماذا تركت لي وماذا فعلت بي في تجربتها مع التحرش، مر ما يقرب من ٣ شهور تقريباً، كنت وقتها عائدة من الجورنال في القاهرة، وركبت أتوبيس الإسماعيلية/القاهرة لأعود إلي محافظتي، وأتذكر وقتها جلست جواري سيدة منتقبة، وكان متبقي على حلول شهر رمضان ما يقرب من ٥ أيام، تحدثنا عن فضائل الشهر الكريم ونفحاته وخيراته، وإنه فرصة عظيمة للتقرب إلى الله، وإذ بي أشعر بيد تمتد من الخلف من جانب الزجاج، وتمسكني من يدي بعنف شديد، حالة من غياب الوعي لازمتني للحظات معدودة، أحاول ان أستوعب الموقف، ل أتأكد أني أواجه واقعة تحرش جديدة، لن أسرد عليك عزيزي القارىء كل التفاصيل، لكن يكفي أن أقول لك أنني أعطيته علقة لن ينساها، وثُرت ثورة الثيران في الحلبة، وبصفتي صحفية اتصلت بمدير مباحث الإسماعيلية وقتها، وكنت في حالة إنهيار شديد، ورويت له ما حدث، وأعلم أن السؤال الذي يراود الجميع الآن، ماذا كان رد فعل ركاب الأتوبيس؟ بكل بساطة كانت شاخصة أبصارهم في اتجاه الطريق، لم يقم فرداً منهم للدفاع عني، أو التضامن معي، لم ينطق أحد على الإطلاق، حتى السائق لم يقل حتى كلمة "خير في إيه؟"، رغم إنني كنت أجلس في الكرسي رقم 9 أي بالقرب منه.
ومع أول كمين شرطة ووسط بكائي وانفعالي استوقفنا الكمين عند مدخل حدود الإسماعيلية بناء على إتصالي بمدير مباحث المحافظة، وصعد عدد من الضباط إلي الأتوبيس، وبدون سؤال عني طبعا عرفوني من شكلي وحالتي، وقالوا لي اهدي فين المتحرش؟ إتجهت بوجهي للخلف كي أشاور عليه، وكانت المفاجأة! المفاجأة التي جاءت من العيار الثقيل، مش موجود، المتحرش إختفى، وتبين أن السائق قام بالوقوف على الصحراوي في هدوء وفتح له الباب الخلفي، وهربه بعد إستعانتي بالشرطة ومعرفة أني صحفية، لينزل في سلام وأمان، كان الموقف تضامن مع المتحرش وتسريبه.
تذكرت في اللحظة صديقتي وما ألم بها من ألم، لكن شعرت في نفس لحظة الانكسار بانتصار عظيم، على الأقل أنا ضربته أديتله علقة تمام، لكن يبقى موقف التحرش واحد وموقف الناس أيضا واحد ، لكن الإختلاف كان في رد فعل كل منا تجاه واقعته، فأنا لم أسمح للتجربة أن تخذلني للنهاية، وكل ما أفتكر الواقعة أفتخر أني على الأقل أخدت حقي بإيدي.
عام يمر، وأسافر إلي سويسرا ، لتغطية أحد الفاعليات وسط وفد من الدولة المصرية ومع جمع من الصحفيين برفقة عدد من الوزراء، بعد قضاء عدد من الأيام وسط عمل دؤوب يكشف عن عراقة دولتنا المصرية وحضارتها التي تزين مبني الأمم المتحدة بجنيف، واعتزازهم بهذه الحضارة، قادني الفضول الصحفي إلي قرار بالدخول إلي شارع لورين بمقاطعة بيرن، وهو شارع خاص بالأعمال الخارجة عن الآداب العامة، أو كما يطلقون عليها الدعارة المقننة، كنت عايزة أرصد الفكرة إزاي سهلة كده عندهم وإزاي بتتم.
دخلت وخجلي يحاصرني ، لكنها ستكون الفرصة الأولى والأخيرة فلن أجرؤ على تكرار مثل تلك التجربة، لم أكن أتوقع يوما أن أرى مثل ذلك المشهد، مجموعة من السيدات ترتدي كل منهن ملابس شبه عارية، وتقدمن عروض بأجسادهن لبيع أنفسهن للمتعة الحرام، لكن في المقابل لم يجرؤ أي من الرجال المتواجدين لنفس الفكرة في الشارع أن يلمس أو حتى يحتك بإحداهن، والجميع يحرص على وجود مسافة بينه وبينهن، لأن وقتها ستكون العواقب القانونية وخيمه، وهناك طرق مقننة للإتفاق، حتى وإن تحرشت واحدة منهن برجل ليس مسموح له بمجاراتها ويقوم على الفور بسحب نفسه من أمامها.
مشهد نظرت إليه كثيرا وتأملته أكثر ، وسألت نفسي سؤال لم ينقطع وقد رسمت على وجهي تكشيرة لن أستطع أن أنساها أو أتحرر منها بسهولة ، إيه ده! إزاي كده! ده فعلا بجد! الستات دي عارضة نفسها للرذيلة ومحدش قادر يلمسها! حلوة أوي قواعد الأدب دي في ممارسة قلة الأدب، أه والله هي كده، الأمور مش سايبة حاجة منافية للآداب العامة وللشرع ولتعاليم دينا الحنيف الذي يذكي العفة، والدنيا هنا في الشارع خراب! لكن الترتيبات غريبة! والتعامل مدهش!
قلت يانهار أسود ! أمال إيه اللي بيحصل عندنا ده! إزاي نبقى ماشين في حالنا، داعيين ربنا يستر طريقنا، وفاجأة نواجه إعتداء بذيء على أجسادنا، بتبجح وفُجر؟!، فجأة يقرر الأفندي اللي إطلق في الشارع على خلق الله بمد يده أو إطلاق لسانه بعبارات مؤذية ومقززة، تغتال حيائنا، إزاي رغم كل تحفظنا وحرصنا، يكون ده حالنا داخل شوارع مجتمع متدين بطبعه! صاحب ديانات سماوية، وله من الشرائع ما يحمي كرامة المرأة ويضمن عفتها وحرمتها، إزاي!
تذكرت مجددا وقائع صديقتي مع التحرش ، وما تعرضت أنا له أيضاً، وغيرنا وغيرنا، ورغم كل الألم لم أجد مخرج سوى الخروج من شارع لورين وأنا أحاول أهزم التكشيرة التي رسمت نفسها بقوة على وجهي الذي صار عابسا، وأطرح فيض من الأسئلة، يعني هما بيعملوا كده وميقدرش حد يتحرش بيهن وإحنا معندناش كده وبيتحرشوا بينا بالعافية! وأقول لنفسي في مواجهة شريط مهزوم ومؤلم، يحاول أن يدافع عن نفسه وسط خسارة كبيرة لمعظم المحاضر التي تم تحريرها بأقسام الشرطة والقضايا داخل المحاكم ، طيب وأنتي زعلانة ليه! أنتي مش بتضربي المتحرش وبتديله علقة تمام ، وبتخليه فرجة في الشارع وقدام نفسه، خلاص متزعليش! "متزعليش" كانت الكلمة التي وجدتها وسيلة الدفاع الوحيدة التي أمتلكها فطيبت بها خاطري وصالحت بها وجهي العابس بتكشيرته، وقلبي المهزوم من وقائع التحرش وأجسادنا التي تستباح على يد المتحرش في شوارع أوطاننا! .