مرصد الأزهر يسلط الضوء على الحملات الأمنية التي قامت بها السلطات الإسبانية خلال الأعوام الأخيرة
- ياسر خفاجىيواصل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تسليط الضوء على الحملات الأمنية التي قامت بها السلطات الإسبانية خلال الأعوام الأخيرة، وفي هذا التقرير يستعرض المرصد الحملات التي تمت في عام 2020 والتي كان "مرصد الأزهر" قد حذّر قبلها أن إسبانيا تحديدًا لن تظل بعيدة طويلًا عن تهديدات تنظيم "داعش" الإرهابي، على الرغم من الإجراءات التي تتخذها السلطات الأمنية هناك للحد من أنشطة الجماعات المتطرفة بها. والمتتبع لهذا الوضع في إسبانيا، يجد استمرار عمليات الاعتقال لمواجهة التنظيمات المتطرفة؛ حيث اعتقلت قوات الأمن الإسبانية طوال العام (37) متطرفًا خلال (24) عملية مداهمة أمنية، الأمر الذي يدل على متابعة أنشطة الجماعات المتطرفة خلال ظهور جائحة كورونا.
ومن خلال متابعتنا لعمليات اعتقال العناصر المتطرفة في إسبانيا في السنوات الثمانية الأخيرة نجد أن عام 2017 قد شهد أكبر عدد من العمليات الأمنية بواقع (52) عملية، مقارنةً بعامي ٢٠١٨ و٢٠١٩ واللذين سجَّلا (32) و(23) عملية على الترتيب، في حين كان العدد (36) عملية أمنية عامي ٢٠١٥، و٢٠١٦، و(13) عملية عام ٢٠١٤، و(8) عمليات فقط خلال عام 2013.
ومن هذه الأرقام يمكن أن نستخلص أنه بشكل عام لا تزال عدد العمليات التي نُفذت وعدد الأشخاص المعتقلين مماثلًا للسنوات الأربع الماضية، باستثناء العمل الشاق والمكثف الذي قامت به قوات الأمن الإسبانية في عامي ٢٠١٥م، و٢٠١٧م. وإجمالًا اعتقلت قوات الجيش والشرطة الإسبانية (400) متطرفًا، منذ بداية عام 2012م وحتي نهاية 2020م بإجمالي (224) عملية أمنية. وفي الجدول التالي رسمٌ بياني توضيحيٌّ للعمليات الأمنية وأعداد المعتقَلين منذ ٢٠١٣ حتى ديسمبر 2020
وبإلقاء نظرة سريعة على عمليات الاعتقال عام 2020، نجد أنه خلال شهري مارس وأغسطس لم يتم تنفيذ أية حملة أمنية خاصة بالإرهاب والتطرف، الأمر الذي لم يحدث منذ عام 2014، وهو نفس ما حدث في عام 2019 بين شهري أكتوبر ونوفمبر، حيث لم يكن فيه أي نشاط للشرطة متعلق بالتطرف، كما تجدر الإشارة إلى أن شهري يوليو وأكتوبر كان فيهما أكبر عدد من عمليات الاعتقال للأشخاص المشتبه في كونهم على صلة بالإرهاب، حيث كان مجموعهما (15) متطرفًا؛ (7) في شهر يوليو و(8) في شهر أكتوبر- خلال (9) حملات أمنية.
كما وُجد تباين في أعداد المعتقلين بين يناير وفبراير وسبتمبر 2020، حيث أُلقي فيها القبض على متطرف واحد، بينما تم إلقاء القبض على متطرفين اثنين في يونيو، وفي شهري أبريل وديسمبر أُلقي القبض على (٨) متطرفين، بواقع (4) في كل شهر منهما. وفي شهري مايو ونوفمبر أُلقي القبض على (9) متطرفين، بواقع (٥) و(٤) متطرفين على الترتيب.
كما ذكرت جهات التحقيق أن عمليات الاعتقال لـــ (37) شخصًا خلال العام الماضي 2020 كانت بتهمة التخطيط لارتكاب هجمات إرهابية في إسبانيا ونقل الأفراد إلى مناطق الصراع، وتمويل العصابات الإرهابية، وبصفة عامة عمل تجنيد مقاتلين جدد ليصبحوا جزءًا من هذه الجماعات الإجرامية.
وخلال ذلك العام تمكنت قوات الشرطة القطلونية من تجنب ثلاثة أعمال إجرامية في مرحلة التنفيذ، كما أحبطت قوات الحرس المدني هجومين كان من المقرر ارتكابهما في ملعب كامب نو Nou" Camp" في برشلونة عن طريق أحد المتطرفين الذي كان ينوي استخدام طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات.
جدير بالذكر أن معظم الاعتقالات والعمليات الأمنية خلال ٢٠٢٠ تم تنفيذها في إقليم قطلونية؛ حيث تمكنت قوات الأمن من اعتقال (15) شخص في (9) عمليات مختلفة على مدار عام ٢٠٢٠، كما تم إلقاء القبض على آخرين في بلديات مثل: "ثيوداد ريال"، و"أليكانتي"، و"ألمرية"، و"غويبوثكوا" وغيرها.
ويري مرصد الأزهر أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها قوات الأمن لمكافحة الإرهاب، فإن أوروبا لا تزال هدفًا مهمًّا للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي، مؤكدًا أن "الذئاب المنفردة" تُعد إحدى المخاطر التي تواجهها أراضي هذه القارَّة. وشدّد المرصد على أهمية الوقاية من حدوث هجمات إرهابية، وأنه يجب على قوات الأمن توخي الحذر لتجنب خطر إزهاق الأرواح.
جدير بالذكر أن إسبانيا هدف دائم للتنظيمات المتطرفة، ليس فقط بسبب التطلع لاستعادة "الأندلس" كما يردِّدون في بياناتهم التضليلية، ولكنها مع ذلك جزء من التحالف الدولي الذي هزم تنظيم "داعش" الإرهابي عسكريًا في سوريا. ومنذ ذلك الحين، لا يمتلك التنظيمُ البِنيةَ التحتية الصُّلبة للخلافة التي طالما يدَّعيها!! لكنه يواصل نشاطه الإجرامي في أجزاء مختلفة من العالم. ولكن اللافت للنظر في عام 2020 هو عدم تنفيذ أية عمليات اعتقال للمتطرفين في مدينة "سبتة" مثلما حدث في مليلية وجزر الكناري عام 2018، حيث تم تنفيذ واحدة في مليلية وأخري في جزر الكناري، ويرجع ذلك إلى أن تلك المدن ينظر إليها بيقظة دائمة. جدير بالذكر أن مدينتي "سبتة" و"مليلية" يُنظر إليهما دائما على أنهما معقل للمتطرفين، وفي العاصمة "مدريد" نُفِّذَتْ (7) عملياتٍ أمنية، اُعتُقِلَ فيها (8) من المتطرفين.
وكانت أهم الحملات الأمنية لهذا العام 2020، العملية الأمنية المسماة بـــ"ألتيبا" La Operación Altepa بتاريخ 21 أبريل 2020، حيث تمكنت المخابرات الإسبانية بالتعاون مع قوات الأمن الأوروبية من إلقاء القبض على (3) متطرفين أحدهم يبلغ من العمر (29) عامًا، ويُعَدُّ أحد "الذئاب المنفردة" العائدة من سوريا، في طريق الوصول إلى أوروبا عبر إسبانيا. ويصنف بأنه شديد العنف وخطير للغاية، وكانت عملية القبض عليه ذات أولوية لأجهزة الأمن، خاصة بعد قضائه سنوات عديدة مقاتلًا في صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي. وتصنِّف السلطات الإسبانية هذا الشاب على أنه "أحد المتطرفين الأكثر خطورة في أوروبا، بسبب مساره الإجرامي في التنظيم.
كما استكملت قوات الأمن واحدة من العمليات الأمنية في يناير 2019، والمعروفة باسم "الإسكندرية" La Operación Alejandría والتي أسفرت عن اعتقال (19) شخصًا ولا يزال (4) منهم يواجهون عقوبة الحبس. وكانت هذه الخلية مشابهة للخلية المنفذة لهجمات برشلونة وكامبريلس في صيف 2017م.
وخلال ذلك العام استُكملت العمليات بعمليتين، إحداهما في مايو، والأخرى في يوليو، حيث ألقت قوات الأمن القبض على مواطنَيْن في حي "برشلونيتا" لتورطهما في التخطيط لشنِّ هجمات إرهابية على كنيسة العائلة المقدسة.
كما برز خلال هذا العام أنَّ تنظيم "داعش" الإرهابي لا تزال لديه العديد من الطرق والأساليب الأخرى للتمويل بعد سقوط معاقله في سوريا والعراق؛ حيث أفاد بعض الخبراء في مجال مكافحة التطرف في إسبانيا أن الخلايا الإرهابية تعمل دائمًا في الظلام، وتعتمد غالبًا نظام "الحوالة" عبر وسطاء -غير البنوك- لنقل الأموال بين أفرادها، سواء أكانت مبالغ مالية كبيرة أم صغيرة، وهو أسلوب ينتهجه المتطرفون لخداع الأجهزة الأمنية.
وفي هذا الصدد، أفادت مفوضية المعلومات العامة (CGI) التابعة للشرطة الوطنية الإسبانية أنها قد تمكَّنت من إيقاف العديد من الطرق التي وفَّرت الأموال لتنظيم "داعش" الإرهابي من إسبانيا، وكذلك تزويد المتطرفين برؤوس الأموال في سوريا والعراق، وكانت آخر عملية في 24 نوفمبر 2020، عندما اعتُقل شخصان كانا يعملان مصرفيَّيْنِ لصالح التنظيم الإرهابي داخل إسبانيا، باستخدام نظام "الحوالة" المصرفية؛ حيث كانا يحصلان على تلك النقود بهدف تمويل أنشطتهما، وكذلك إرسال أموال من أنصار التنظيم الإرهابي من داخل إسبانيا إلى سوريا وأجزاء أخرى من أوروبا.
وبتاريخ 11 يونيو 2020 تمكنت قوات الشرطة الوطنية بالتعاون مع اليوروبول من اعتقال أحد الأشخاص في مدريد كان جزءًا من شبكة تنظيم "داعش" الإرهابي المالية؛ حيث تلقى تبرعات من المتعاطفين مع التنظيم الإرهابي وأعضائه الذين استقروا في أوروبا، وقام عبر نظام الحوالة بإرسال الأموال إلى سوريا لدعم من يرتكبون هجمات في المنطقة.
جدير بالذكر أن هذه العملية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعمليتين أخريين تم تنفيذهما في عام 2019م أثناء فترة العزل المنزلي بسبب وباء كورونا؛ حيث كان المحتجزون فيهما على اتصال مباشر بشركة التحويلات، التي كانت سترسل مبلغًا يزيد عن (300 ألف) يورو.
وفيما يتعلق بأعمار المعتقلين خلال 2020م، بداية هناك حقيقة مهمة وهي أنه لم يتم اعتقال أي طفل قاصر في هذا العام، مقارنة بعام 2017 والذي اعتُقل خلاله (3) من القُصر. جدير بالذكر، أن أصغر معتقل طوال عام 2020م كان يبلغ من العمر (21) عامًا، وهو شاب تم احتجازه في بلدية "سان بيسنتي دل راسبيج" الإسبانية بتهمة الدعاية والترويج لتنظيم "داعش" الإرهابي عبر منصات ألعاب الفيديو، كي يستقطبَ أكبر عدد ممكن من صغار السن والقصر، فضلًا عن أنه كان على دراية تامة بالتدابير الأمنية واستخدام منصات التواصل التي تضمن عدم الكشف عن هويته.
وأكبر معتقَل كان يبلغ من العمر (50) عامًا، حيث تم القبض عليه في بلدية "ألتيا" الإسبانية بتهمة القيام بأعمال تجنيد لصالح التنظيم الإرهابي عبر الإنترنت، وجذب الشباب للتطرف من خلال الدعاية من خلال ملفات شخصية مختلفة على شبكات التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن عدد النساء اللائي اعتُقِلْنَ خلال عام 2020 مقارنة بالسنوات السابقة يعد قليلًا جدًا -بواقع امرأة واحدة على مدار عام 2020- فإنه يجب ألا ننسى أن النساء لا يَزِلْنَ يلعبْنَ دورًا مهمًّا في "داعش" من خلال عمليات تجنيد النساء الأخريات، وإقناعهن بالانتقال إلى مناطق الصراع والمعاقل الجديدة للتنظيم الإرهابي، سعيًا وراء أحلام زائفة، أو من خلال نشر الدعاية المتطرفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
وفيما يخص جنسيات المعتقلين في إسبانيا عام 2020، نجد أن الغالبية العظمى منهم يحملون الجنسية المغربية بنسبة (54%)، ثم الإسبانية بنسبة (24%)، تليها الجزائرية بنسبة (13%)، ثم السورية والغينية والبريطانية بنسبة (3%).
وبناءً على ما تابعه "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" وما عرضه في تقريره من إحصائيات ومعلومات، فإنه يؤكد على ضرورة تضافر الجهود وتعزيز التعاون المشترَك في مجال مكافحة التطرف بين مختلف المؤسسات والهيئات الرسمية وغير الرسمية، للحدِّ من انتشار هذه الظاهرة وللقضاء على أذناب الجماعات الإرهابية، كما يدعو المرصد إلى احتضان الجاليات الأجنبية المختلفة داخل إسبانيا وتشجيعهم على الاندماج داخل المجتمع، والتعاون مع السلطات من خلال الإبلاغ عن أية حالة يُشتبه في تطرفها لتجنيب المجتمع ويلات العمليات الإرهابية التي حصدت العديد من أرواح الأبرياء خلال الأعوام الأخيرة.