ما هي التطلعات بشأن أسعار النفط الخام في غضون الظروف الجيوسياسية الراهنة؟
تعد مصادر الطاقة وأسعارها مثل أسعار النفط الخام المحرك الأساسي للحياة على وجه الكوكب الذي نعيش عليه. الأمر مشابه تماماً إلى حد كبير لما يحدث الآن مع تحكم العوامل الجيوسياسية الراهنة المتمثلة في الصراع الروسي الأوكراني في تحركات أسواق المال والأسهم وخاصة سوق السلع. هذا هو ما نعيشه حالياً وفعلياً ولا يخفى على أحدكم أن حركة العرض والطلب في سوق الطاقة العالمي تؤثر بشكل كبير في أسعار النفط، والتي تؤثر بالتبعية على حياة سكان الكوكب، من حيث التضخم وقدرة المنتجين على التعامل مع تحركات أسعار المواد الأولية سواء كانت مرتفعة أو منخفضة وقدرة المستهلكين الشرائية وما إلى ذلك.
تداول السلع الآن بلا تردد
تساؤلات كثيرة تدور الآن في خلد الجميع حول تحركات أسعار النفط الخام الذي يعد مصادراً رئيسياً للطاقة للعديد من القطاعات الحيوية مثل قطاع النقل والطيران والصناعة وغيرها على المدى القريب والمتوسط والبعيد، في الوقت الذي لا يعيش العالم فيه بقدر كاف من الإنسجام والتوافقية في الوقت الحالي، بل على العكس، فالعالم يعيش الآن على قدر كبير من التناقضات والندية.
ويمكننا أن نلمس ذلك الأمر منذ أن بدأت حرب أسعار النفط بين المملكة العربية السعودية وروسيا في مارس من عام 2020. حرب أسعار النفط كانت بسبب عدم توافق وجهات النظر بين المملكة وروسيا حول خطط ومقترحات تخفيض الإنتاج من أجل ضبط أسعار سوق الطاقة العالمي الذي كان يعاني من اضطرابات في الأسعار نتيجة انتشار جائحة فيروس كورونا (كوفيد - 19) حول العالم، وهو ما أدى إلى فرض الدول والحكومات لعمليات إغلاق شامل. نتيجة حرب أسعار النفط أدت إلى هبوط أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوياته في 17 عاماً بعدما أعلنت المملكة العربية السعودية عن تخفيض سعر برميل النفط إلى ما بين 6 دولار و8 دولار للبرميل لعملائها في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.
مع إعلان المملكة العربية السعودية عن تخفيضات الأسعار، انخفض سعر برميل النفط عالمياً بنحو 30% واستمر برميل النفط في الإنخفاض مع زيادة المملكة العربية السعودية من قدرتها الإنتاجية للنفط الخام إلى أن بلغ سعر برميل خام برنت Crude Brent 24.72 دولار للبرميل، في حين بلغ سعر خام غرب تكساس Crude WTI المتداول 20.48 دولار للبرميل. أسعار النفط الخام المنخفضة أدت إلى خسائر كبيرة في أسواق الأسهم العالمية مع تراجعات حادة في القطاعات القيادية مثل قطاعات الطاقة والطيران والنقل وغيرها.
الأزمة تم احتوائها في شهر أبريل من نفس العام 2020 بعد سلسلة من الإتصالات والمشاورات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوجيه وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك بعقد اجتماع استثنائي مع مجموعة أوبك OPEC، مشيراً إلى إمكانية خفض الإنتاج بواقع 10 ملايين برميل. ومنذ ذلك الحين بدأت أسعار النفط في الإرتفاع مجدداً.
ربما لم يكن في مخيلة أحد من المستثمرين والمتداولين أن تصل أسعار النفط منذ أبريل 2020 إلى ما وصلت إليه الآن بعد ما يقرب من عامين في مارس الحالي 2022، حيث أن سعر خام برنت لامس مستوى 135 دولار للبرميل، كما لامس خام تكساس مستوى 129 دولار للبرميل. ويعود الفضل في ذلك إلى منظمة أوبك للدول الأعضاء المصدرين للنفط وحليفتها أوبك بلس، بعد سلسلة من الإجتماعات والمحادثات حول خطط تخفيض الإنتاج مع الإلتزام بتنفيذ هذه الخطط. ولذلك نحن أيضاً لا نعلم ما في الغيب، ولكن على أرض الواقع حالياً توجد العديد من المؤشرات والمستجدات التي ستؤدي إلى ارتفاع أسعار مصادر الطاقة على المدى القريب والمتوسط وربما البعيد، ولذلك فإن سوق السلع يمكن أن يكون فرصة استثمارية مربحة لمواجهة آثار ارتفاع الأسعار العالمية ومعدلات التضخم المرتفعة. لذلك تداول السلع الآن بلا تردد.
لابد أن العديد من المتداولين والمستثمرين يتساؤلون بشأن اتجاهات وتحركات أسواق المال والأسهم في الفترة الحالية والقادمة، ولكن قبل أن نوضح ونستفيض في هذا الشأن، نود أولاً أن ننوه إلى أن سوق السلع هو الرابح الأكبر من بين جميع الأسواق خلال العامين الماضيين، ويمكننا أن نشاهد آداء السلع المعدنية (الذهب - الفضة - النحاس - النيكل - البلاديوم - وغيرها) سلع الطاقة (النفط الخام - الغاز الطبيعي - الفحم - وغيرها) السلع الغذائية (القمح - الحبوب - وغيرها) خلال الستة أشهر الماضية وما حققته هذه السلع من ارتفاعات واضحة وملحوظة، ولذلك نصيحتنا للمتداولين والمستثمرين هي تداول السلع الآن بلا تردد. ولكن هل لازال هنالك فرصة لتحقيق مزيد من الإرتفاعات في سوق السلع؟
استجدت على الساحة العالمية الآن الحرب الروسية الأوكرانية في أواخر شهر فبراير الماضي 2022 وهو نفس توقيت جائحة فيروس كورونا (كوفيد - 19) التي انطلقت في فبراير أيضاً من عام 2020 قبل عامين. وكنتيجة لاجتياح روسيا للأراضي الأوكرانية فقد أدى ذلك لقيام الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخرى الحليفة والمساندة لأوكرانيا في هذه الحرب مثل كندا واليابان بفرض عقوبات اقتصادية قاسية أحدثت ضرراً كبيراً في الإقتصاد الروسي، حيث انخفضت قيمة الروبل العملة الرسمية لروسيا أمام الدولار الأمريكي بنسبة 30%. البنك المركزي الروسي سارع لرفع أسعار الفائدة من مستوى 9.5% إلى 20% من أجل السيطرة على التضخم.
وكانت آخر العقوبات التي أصدرتها الولايات المتحدة تجاه روسيا هي حظر واردات النفط الخام من روسيا، وهو ما قابلته روسيا بتصريحات بأن مثل ذلك القرار من الممكن أن يدفع أسعار النفط الخام إلى مستوى 300 دولار للبرميل، مما يعني ارتفاع مستويات التضخم إلى أرقام غير مسبوقة. وتقوم الولايات المتحدة في الوقت الحالي بإيجاد حلول جدية وحقيقية من أجل مواجهة معدلات تضخم لم تشهدها منذ 40 عاماً عند 7.9% خلال شهر فبراير الماضي، حيث لجأ البنك الفيدرالي الأمريكي FED مؤخراً في شهر مارس 2022 برفع معدل الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية 0.25%، مع تصريحات رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي جيروم باول بنية البنك أن يرفع معدلات الفائدة بنحو 6 مرات أو أكثر في عام 2022.
توجد أيضاً مشاورات خلف الكواليس بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي من أجل زيادة القدرة الإنتاجية للنفط وبالتالي انخفاض أسعار النفط وبالتالي انخفاض مستويات التضخم، غير أن رد دول الخليج على هذه المطالبات بأن منظمة أوبك التي تضم الدول الأعضاء لمصدري النفط ملتزمة باتفاقها مع حليفتها أوبك بلس (روسيا) بزيادة محدودة للإنتاج بواقع 400 ألف برميل. الإتحاد الأوروبي أيضاً والذي يعتمد إلى حد كبير على مصادر الطاقة الروسية، يحاول هو الآخر اتخاذ خطوة مماثلة مثل التي اتخذتها الولايات المتحدة من خلال البحث عن بدائل لروسيا، وهو ما لمسناه جميعاً من خلال زيارة وزير الشؤون الإقتصادية الألماني روبرت هابيك لدولة قطر الغنية بالغاز الطبيعي من أجل عقد صفقة طويلة الأمد لإمدادات الطاقة.
كما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة لعقد اتفاق نووي مع إيران في أسرع وقت ممكن في مقابل رفع العقوبات عنها وهو ما سيساهم في ضخ النفط الخام الإيراني في سوق الطاقة العالمي بعدما حظرت الولايات المتحدة استيراد مصادر الطاقة من روسيا، وكذلك في ظل التشدد الخليجي من رفع الطاقة الإنتاجية للنفط. أيضاً لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى خصمها الجار فنزويلا الغنية بالنفط الخام من أجل عقد صفقة لتزويدها باحتياجاتها بالنفط الخام في ظل شح المعروض في سوق الطاقة العالمي. وعلى الرغم من ما تم ذكره مسبقاً إلا أن الأزمة الروسية الأوكرانية لاتزال تزداد اشتعالاً يوماً بعد يوم وتصريحات حادة بين طرفي النزاع وحلفائهم، مما يشير إلى أن ارتفاع سوق السلع في الفترة الحالية والفترة المقبلة هو أمر واقع، وأيضاً ارتفاع معدلات التضخم عالمياً.
الغاز الطبيعي يشكل مورداً رئيسياً للطاقة أيضاً
المصدر: Tradingeconomics
تعد روسيا المورد الرئيسي للطاقة لقارة أوروبا أو الإتحاد الأوروبي ومن أكثر مصادر الطاقة التي يستوردها الإتحاد الأوروبي من روسيا هو الغاز الطبيعي. في عام 2021 بلغ إجمالي واردات الإتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي القادم من روسيا نحو 155 مليار متر مكعب وهو ما يبلغ نحو 45% من واردات الغاز الطبيعي، وهذا الرقم ينقسم كالآتي 380 مليون متر مكعب من الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم من روسيا، ونحو 140 مليار متر مكعب لاستخدام العام بأكمله، بالإضافة إلى 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال.
وتسعى أوروبا أو الإتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة إلى إيجاد بديل لروسيا للإعتماد عليه، بعد بدء روسيا لعملية عسكرية في أوكرانيا التي تعد حليفاً للإتحاد الأوروبي. وتسعى أوروبا في هذا المسعى خشيت أن تستخدم روسيا الغاز الطبيعي كسلاح تستطيع من خلاله التحكم في أوروبا في المستقبل، ولذلك اتجه وزير الشؤون الإقتصادية الألماني روبرت هابيك إلى قطر الغنية بالغاز الطبيعي من أجل عقد صفقات إمداد طاقة طويلة الأجل.
مؤخراً ارتفعت العقود الآجلة لأسعار الغاز الطبيعي Natural gas في الإتحاد الأوروبي إلى 130 يورو لكل ميغا واط / ساعة، وهو أعلى مستوى منذ 11 مارس، وذلك بعد أن أعلنت موسكو أنها ستتحول إلى مبيعات الغاز الطبيعي بالروبل بدلاً من الدولار واليورو. وقد برر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الخطوة بأنها رد على تجميد الدول الغربية للأصول الروسية في الخارج لكنه أضاف أن موسكو ستواصل تلبية طلبات العملاء.
خام تكساس يواصل الإرتفاع مع استمرار سحب الولايات المتحدة من مخزوناتها الإحتياطية
المصدر: EIA
واصلت أسعار خام تكساس ارتفاعها اليوم بعد أن أعلنت إدارة المعلومات والطاقة EIA أن الولايات المتحدة سحبت من مخزوناتها الإحتياطية بمقدار 2.5 مليون برميل للأسبوع المنتهي في 18 مارس. هذا بالمقارنة مع زيادة 4.3 مليون برميل للأسبوع السابق، والتي أوقفت مؤقتاً الإرتفاع الأخير في أسعار النفط.
وقد ناشدت مؤخراً الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس الأمريكي جو بايدن منظمة أوبك ودول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط أن ترفع من إنتاجها للنفط من أجل مواجهة ارتفاع أسعار النفط العالمية والمحلية للسيطرة بالتبعية على ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى أعلى مستوى لها في 40 عام.
منظمة أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية قالت أنها ملتزمة بخطط الإنتاج المتفق عليها مع حليفتها أوبك بلس وأنها غير مستعدة حالياً لرفع القدرة الإنتاجية في الوقت الراهن، الأمر الذي أدى إلى لجوء الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى مثل الصين والهند وكندا من أن تسحب من مخزوناتها الإحتياطية كحل بديل من أجل تخفيض أسعار النفط الخام العالمية والمحلية.
حالياً يتداول خام تكساس عند مستوى 114 دولار للبرميل، أما خام برنت فيتداول عند مستوى 122 دولار للبرميل.