مرصد الأزهر: الإرهاب البيولوجي.. تحوّل خطير في مسار الإرهاب التقليدي
ياسر خفاجىسلط مرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف، الضوء على ظاهرة الإرهاب البيولوجي والذي يعدّ من أقوى أسلحة الدمار الشامل من حيث الفتك والتدمير والخراب الذي يخلّفه، ومما يزيد الأمر خطورة هو أن الحصول على مثل هذه الأسلحة لا يحتاج إلى إمكانيات باهظة سواء من الناحية المادية أو التقنية، وأنه يمكن استخدامها بسهولة من قبل التنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها ومصادر تمويلها.
ومن خلال عمل مرصد الأزهر ورصده لأنشطة التنظيمات الإرهابية وجد أن الإرهاب البيولوجي أكثر أنشطة وممارسات التنظيمات الإرهابية خطورة، حيث يستخدم الإرهابيون الأسلحة البيولوجية كــــ ( البكتيريا، الفيروسات، الفطريات، الرسائل البيولوجية، الحشرات، الحيوانات) المسببة للأمراض الوبائية والتي تستخدمها تلك التنظيمات في هجماتها الدامية، ومما يزيد الأمر خطورة أن هذه الأسلحة من النوع غير المرئي، فهذه الأسلحة تضرب دون سابق إنذار؛ وآثارها لا تظهر إلا بعدما يكون مرتكب الجريمة قد توارى عن الأنظار، ومما يجعل هذه الأسلحة أكثر شراسة وعنفًا عن غيرها من الأسلحة الأخرى أن نطاق ضحاياها يتسع ليشمل الفئات العمرية كافة؛ إذ لا تفرق بين مدني وعسكري، بل تتخطى آثارها المدمرة البشر لتشمل حتى الحيوانات التي منها ما يستخدم ضمن منظومة الأسلحة البيولوجية.
ويعرف الإرهاب البيولوجي (Bioterrorism Biological Terrorism) بأنه: "ذلك الاستخدام المتعمد لبعض الكائنات الحية الدقيقة والتي تعرف اختصارًا باسم "الميكروبات" وكذلك إفرازاتها السامة بهدف إحداث مرض أو القتل الجماعي للإنسان، أو ما يمتلكه من ثروة نباتية، أو حيوانية، أو تلويث لمصادر المياه، أو الغذاء، أو تدمير للبيئة الطبيعية التي يحيا فيها والتي قد يشملها التدمير لعدة سنوات.
وأشار مرصد الأزهر بأن الإرهاب البيولوجي يتسم بالعديد من الخصائص التي تجعله أشد أنواع الإرهاب خطورة، أهمها قدرته الفائقة على نقل العدوى، وسرعة الانتشار سواء عن طريق الهواء، أو عن طريق أي عامل آخر، والقدرة على النمو والتكاثر تحت ظروف بيئية متنوعة في حالة استخدام ميكروبات حية، وقدرته الفائقة على التخزين حيث يظل ثابتًا محافظًا على التأثير لفترات طويلة، ومقاومة فعل المضادات والأجسام المضادة الأخرى.
كما أوضح مرصد الأزهر لمكافحة التطرف الطرق التي يمكن من خلالها نشر الإرهاب البيولوجي من قبل التنظيمات الإرهابية منها:
1- إطلاق الأسلحة البيولوجية عن طريق نشر الميكروب عن طريق وسيط من الحشرات أو القوارض التي تنقل الأمراض.
2- تطلق من خلال رشها مع اتجاه الرياح من طائرة أو باخرة.
3- تطلق من مصدر إطلاق صناعي، أو توضع داخل قنبلة على رأس صاروخ فيما يسمى بـ "الرؤوس البيولوجية"
4- عن طريق تلويث مصادر المياه، أو الطعام.
5- عن طريق الحقن تحت الجلد بشكل مباشر، أو تقديمها على شكل بخاخ.
ومن أمثلة الإرهاب البيولوجي: العثور على طرد في غرفة البريد الذي تسبب في رعب الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض وتتلخص الوقائع في هذا المجال إلى أن الجهات الأمنية بالبيت الأبيض أبلغت بوجود طرد في غرفة البريد يحتوي على طبق تحضر عليه مزارع البكتريا مدونًا عليه باللغة الإنجليزية B-Anthracis وكذلك Yersenia pestis فالأول يسبب الجمرة الخبيثة، والثاني مرض الطاعون وكلاهما من النوع القاتل. وتم اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة والتحفظ على الأشخاص الموجودين في المكان ووضعتهم في حجر صحي، لمنع انتقال المرض، لكن تبين بعد ذلك أن الطبق لا يحوي على أي من هذين النوعين من البكتيريا.
كما تضمن تقرير للأمم المتحدة أن تنظيم داعش الإرهابي قام باستخدام أسلحة كيميائية في العراق بين العامين 2014 و 2019حيث أشار التقرير إلى قيام التنظيم بتصنيع وإنتاج صواريخ ومدافع هاون كيميائية وذخائر كيميائية للقنابل الصاروخية ورؤوس حربية كيميائية وأجهزة متفجرة كيميائية يدوية الصنع، ومما ورد بالتقرير أنه "تم فحص أدلة متعلقة بدفع تعويضات لأسر أعضاء التنظيم الذين قتلوا في أثناء نشرهم للأسلحة الكيميائية، وسجلات تتعلق بالتدريب الذي كان يوفره تنظيم داعش لكبار العملاء على استخدام المواد الكيميائية كأسلحة، بما في ذلك أجهزة نثر المواد الكيميائية".
وذكر التقرير أنّ الذي تم إجراؤه عقب الهجوم الذي تعرّضت له مدينة طوز خورماتو العراقية في شهر مارس 2016م أنّ أنواع الأسلحة الكميائية المستخدمة منها فوسفيد الألومونيوم والكلور والسيانيد والنيكوتين والريسين وكبريتات الثاليوم.
وقدم مرصد الأزهر من خلال وحدة البحوث والدراسات عددا من التوصيات للوقوف أمام هذه الظاهرة المرعبة والتصدي لها فبحجم الخطر تكون المواجهة، وعليه هناك مجموعة من الاعتبارات والأمور المهمة التي يجب مراعاتها كالآتي:
1- العمل على مواجهة ظاهرة الإرهاب البيولوجي من خلال تكاتف دولي وتبني رؤية موحدة تتضافر فيها جهود المكافحة على المستويين الفكري والميداني وتبادل الخبرات في هذا المجال.
2- إعلان اتفاقيات دولية لمنع انتشار وتصنيع مثل هذه الأسلحة والالتزام بتنفيذها في السلم والحرب.
3- وضع معايير واضحة لمحاسبة الدول الراعية للإرهاب البيولوجي، سواء كان ذلك بالتمويل أو التدريب، أو أن تكون هذه الدول مأوى للتنظيمات الإرهابية.
4- توفير التقنيات الحديثة للوقاية من مثل هذه الهجمات، وخاصة لدى الدول المعرضة لانتقال الإرهاب وتسلله إلى أراضيها، والتي تقع ضمن قائمة الدول المستهدفة بالأطماع الإرهابية.
5- تعليم وتدريب الأفراد والمجتمعات المقيمة بالمناطق التي من المحتمل استهدافها من قبل التنظيمات الإرهابية بأسلحة بيولوجية على تدابير الوقاية المناسبة وكيفية حماية أنفسهم من مخاطر هذه الأسلحة الفتاكة، وكذلك وضع خطط للطوارئ جاهزة التطبيق.
6- ضرورة أن تتعاون جميع أجهزة الدولة لتحقيق الأمن والسلم، وخاصة وسائل الإعلام التي يقع عليها دور كبير في توجيه وإرشاد الأفراد وتوعيتهم بالأخطار والآثار المدمرة للإرهاب بشكل عام والإرهاب البيولوجي بشكل خاص.
من هنا يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الإرهاب لا يكفّ عن البحث عن وسائل متعددة لتنفيذ أجنداته الإجرامية وممارساته الدموية، وأنّ التنظيمات الإرهابية لا تتوانى عن اتباع كافة الوسائل الكفيلة بفرض سياساتها الوحشية ولو على أشلاء الأبرياء، ومع لجوء تلك التنظيمات لوسائل وأدوات قد يستبعد البعض أن تكون يومًا من الأيام مصدرًا للخطر تبرز أهمية التفكير الجاد والتعامل بحرفية ومهنية مع هذه التهديدات، مع ضرورة أن تعمل كافة الجهات والمؤسسات على توفير الحماية اللازمة ضد هذه الأفكار المنحرفة والممارسات البعيدة كل البعد عن الإنسانية والفطرة السليمة.