الفرار من جحيم الحرب إلى صعوبات الاندماج
السودانيون في مصر ..مسار إجباري
محمد ثروتالسودانيون في مصر ..مسار إجباري.. الفرار من جحيم الحرب إلى صعوبات الاندماج.
كل يوم يستيقظ عثمان حسب النبي (37 عاما) في الفجر لينتظر دوره في مصلحة الجوازات والجنسية المصرية بمنطقة العباسية.غرب القاهرة.ينتظر مع عشرات السودانيين تصريح الإقامة لتوفيق أوضاعهم.
عام كامل منذ خرج عثمان من السودان مع أسرته هربا من جحيم الحرب الأهلية..استغرق هروبه من جحيم الخرطوم برا إلى وادي حلفا حتى معبر ارقين الحدودي مع مصر ثلاثة أيام برا وسط الطرق الوعرة، كان وعائلته محشورا مع عشرات السودانيين في عربة دفع رباعي مكشوفة، تسير بسرعة غريبة، ومن يسقط يتم تركه يواجه مصيره منفردا وسط طرق الموت.
يعيش عثمان مع عائلته المكونة من خمسة أفراد في شقة صغيرة بحي بولاق الدكرور الشعبي ضاحية شوارعها ضيقة جدا يصعب الوصول إليها إلا عن طريق توك توك..بمجرد دخولك الشارع تجد كل شىء ملامحه سودانية.. المقهى الشعبي يجلس عليه شباب سودانيون..المحلات من لافتاتها تظهر الفوال ..الحلاق .. المخبز السوداني.
اصطحبني عثمان إلى محله الصغير حيث تقف زوجته أم كلثوم وهي تعمل "بوش" أو فتة الفول السوداني المدمس.. قدمت لنا الشاي السوداني ..وأخذ عثمان يقص حكايته وكيف هرب من جحيم الحرب في السودان ..في طريقه إلى مصر كان يبحث عن أي و سيلة للفرار عن طريق متابعة جروبات السودانيين..لم يكن يعلم أن بعضهم يعمل مع عصابات التهريب.
ويقول ود خليفة موجو أحد النشطاء السودانيين بالقاهرة: "ترجع معاناة كثير السودانيين، إلى كونهم انخدعوا من قبل سودانيين في جروبات الهجرة، صوروا لهم أن الدخول للقاهرة من غير إجراءات ومن غير تأشيرات، و دخول الأطفال من غير جواز سفر، فاضطروا إما البقاء فى معبر ارقين أو يرجعوا لحلفا الجديدة، وبعضهم خرجوا بحسب ظروف البلد دون أي مبالغ مالية كافية وأسعار الموية(الماء) والشاي في المعبر مرتفعة".
يبلغ عدد المهاجرين المقيمين في مصر 9,012,582 مهاجر، منهم 4 ملايين من السودانيين، يشكلون أكثر من 40٪ من المهاجرين المقيمين في مصر، حسب منظمة الهجرة الدولية تقرير 2023.
تقول بثينة ضيف الله(26 عاما) دخلت إلى مصر كلائجة كنت أستيقظ من الخامسة صباحا مع والدتي للذهاب إلى مفوضية اللاجئين بمدينة 6 أكتوبر والتي تبعد عن القاهر 38 كم.. كان طابورا طويلا يزيد عن 800 شخص من الرجال و نصفهم من النساء، وفي كل مرة تخرج لنا موظفة المفوضية في نهاية اليوم لتقول لنا أن السيستم توقف عند 200 شخص فقط.
نصحتنا أم الدوم التي نقيم في ضيافتها بالقاهرة بالذهاب إلى مقر مفوضية اللاجئين بالإسكندرية لأنها أقل زحاما.
في الصباح الباكر ذهبنا إلى محطة القطار بالجيزة، و اتجهنا إلى الإسكندرية كان الطابور لايزيد عن مائة شخص، وكانوا كرماء معنا قدموا لنا الفطور والقهوة و قبل نهاية اليوم اتجهنا إلى محطة سيدي جابر ، في طريق العودة للقاهرة..كانت أمي تتمنى رؤية شط إسكندرية لكن هذا هو آخر قطار ، ولم تكن معنا أموال كافية للمبيت هناك.
تستغرق رحلة الحصول على الكارت الأزرق عاما كاملا..ويقول عبدالله إلياس رئيس مبادرة مساعدة اللأجئين بجمهورية مصر العربية:
أصبح موعد الإقامة داخل الدولة المضيفة مصر سوء الموعد من مفوضية UN أو منظمة كرتاس سنة أو مايزيد عن سنة، وذلك يتسبب في العديد من المشاكل للأجئين داخل الدولة المضيفة مصر تتمثل في الاتي :
1- حملات الشرطة والاحتجاز لعدم الإقامة ..
2- تأخر دخول المدارس أبناء اللاجئين لأن وزارة التعليم المصرية لاتعتمد أية أوراق مالم تكن هناك إقامة سارية.
3 - عدم الاستفادة من أى تأمين طبي قبل إنهاء إجراءات الإقامة.
4- التنقل للعمل من مكان إلي مكان في مصر بصعوبة، حيث يواجه جميع اللاجئين مشاكل من الشرطة المصرية.
رغم قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 29 فبراير الماضي، بمعاملة الشعب السوداني المقيم، كمعاملة أشقائهم المصريين في التعليم والعلاج وتسهيل إجراءات الإقامة. وتوجيه الجهات المختصة في مصر بتسهيل وسرعة كافة الإجراءات بما يتعلق بالاشقاء السودانيين. إلا أنه يتم إبعاد عدد من السودانيين في مصر بحجة دخولهم الأراضي المصرية بشكل غير شرعي.
وتشن الشرطة المصرية بشكل منتظم حملات للقبض على السودانيين المخالفين لقوانين الإقامة وتحتجزهم في مراكز للاحتجاز في مدينة أسوان قبل أن تقوم بترحيلهم للسودان.
أصدرت العديد من منظمات حقوق الإنسان، ومنهم هيومان رايتس ووتش، مناشدات للسلطات المصرية بأخذ الأوضاع الإنسانية والأمنية المتردية في السودان بعين الاعتبار قبل إصدار مثل هذه القرارات، خاصة وأن السودان لايزال منطقة حرب وهذا يمثل خطرا علي أمن وسلامة المبعدين.
دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة للمصريين وارتفاع نسبة التضخم إلى 35,7 % بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فبراير الماضي- للهجوم على الجاليات العربية المقيمة في مصر ، وخصوصا السودانيين والسوريين، بزعم منافستهم في لقمة العيش، والتسبب في رفع إيجارات السكن والمحلات التجارية، مما دفع
محام مصري معروف وعضو لجنة العفو الرئاسي طارق العوضي للتقدم ببلاغ للنائب العام المصري للتحقيق في حملات كراهية إلكترونية على السودانيين في مصر.
وقال العوضي في بيان له: تابعنا بقلق شديد على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر العديد من الحسابات منها الموثقه ومنها المجهولة (لجان إلكترونية)وجود حملات ممنهجة، وقد تكون ممولة، متخصصة في الهجوم على الأشقاء العرب خاصة السودانيين والسوريين المقيمين في مصر .
وأضاف العوضي: وقد مارست تلك الحسابات جرائم استخدام وسائل التواصل وبث خطاب الكراهية والعنصرية والتنمر.. وقد انساق وراء تلك الحسابات بعض من الشباب الذين يجهلون الدور التاريخي لمصر .
وأشار إلى تصاعد الأمر بعد غياب الرقابة والمحاسبة وأصبحت تلك الحسابات تشكل خطرا على الأمن القومي المصري وتنذر بعواقب وخيمة قد تصل إلى حد ارتكاب جرائم ضدهم.
بالرغم من تلك الحملات الإلكترونية، يأمل السوادنيون في العيش بسلام في الوطن المؤقت، وسط صراعات وحروب لا تنتهي.