مرصد الأزهر يقدم تحليلاً في تطور أساليب التطرف في أسبانيا
ياسر خفاجي
قال مرصد الأزهر انه بعد هجمات مدريد، شهد العالم تطورًا كبيرًا في مجال مكافحة الإرهاب على مستوى سبل المكافحة والتعاون المحلي والدولي. وقد تأثرت إسبانيا بتلك التغييرات، وشهدت تعزيزًا للتعاون الأمني الدولي وتبادل المعلومات لمكافحة التطرف. كما نهضت وسائل التواصل الاجتماعي بدور مهم في تطور أساليب التطرف في إسبانيا؛ حيث سهلت هذه الوسائل انتشار الأفكار المتطرفة وتجنيد الأفراد، وأصبحت وسيلة للتواصل والتنسيق بين التنظيمات المتطرفة. وعلى الجانب الآخر، استخدمت الوسائل نفسها في مكافحة الأفكار المضللة ودحضها وتفنيدها. ولا يمكن إغفال تأثير الهجمات الإرهابية العالمية التي تلت هجمات مدريد، خصوصًا في العواصم الأوروبية.
وتابع المرصد أنه بعد مرور ٢٠ عامًا على هجمات مدريد (مارس ٢٠٠٤م)، تطورت ملامح المتطرفين الذين اعتقلوا أو قتلوا في إسبانيا بتهمة ما يسمى بـ"التطرف الجهادي" في السنوات العشرين التي تلت هجمات ١١ من مارس في مدريد، إذ أشار معهد "إلكانو" الملكي الإسباني في دراسة له إلى أن معظم المتطرفين المعتقلين هم من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٣٥ عامًا. وتشكل النساء الآن ما يقرب من ١٢٪ من المتطرفين الذين تبلغ نسبة المتحولين إلى الإسلام حديثًا منهم ١٠٪.
وقد تبين أن تنظيم "داعش" الإرهابي ظهر في البداية بوصفه فرعًا لتنظيم القاعدة، وفي عام ٢٠١٤م بدأ في التوغل السريع في الأراضي في العراق وسوريا، ما أدى إلى حدوث تغيير في المشهد العالمي للتنظيمات المتطرفة.
وابتداءً من عام ٢٠٢٠م، أصبح داعش هو "الفريق المسيطر" على المتطرفين ومصدر توجيههم، واختفى تنظيم القاعدة تمامًا. وفي الفترة بين عامي ٢٠١٢م و٢٠١٩م، كان تنظيم القاعدة يشكل مرجعية لنسبة ١٠.٣٪ من المتطرفين. ولكن ما بين عامي ٢٠٢٠م حتى عام ٢٠٢٣م، ارتفعت نسبة المتطرفين الذين يلتزمون بنهج تنظيم داعش الإرهابي إلى ٨٧.٦٪، في حين تراجعت نسبة المتطرفين المنتمين إلى تنظيم القاعدة إلى ٠.٩٪ فقط. ويعود هذا التحول في الانتماء إلى عدة عوامل، منها النجاحات التي حققها داعش في العراق وسوريا وجذب الانتباه العالمي إليه، إضافة إلى استخدامه وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة عبر الإنترنت والترويج لأفكاره المتطرفة بطرق مبتكرة. ومع كل ما تقدم، ينبغي أن نؤكد أن تنظيم القاعدة ما يزال قائمًا يحاول الحفاظ على تأثيره وشن هجمات جديدة، لكنه لم يعد يلقى الاهتمام والانتشار اللذين كانا في السابق. كما أن التنظيمات الإرهابية قابلة للتطور والتغيير؛ لذا فمن الممكن أن يظهر تنظيم جديد في المستقبل يحظى بتأييد ومتابعة من المتطرفين، ما يوجب على الأجهزة الأمنية توحيد الجهود لتستمر في مكافحة الإرهاب ومواجهة الأيديولوجيات المتطرفة.
ونتيجة لما عرضناه، توجد حقيقتان لابد من إدراكهما إدراكًا كاملاً والتعامل معهما بوضوح وحزم: أولهما أن سيطرة تنظيم إرهابي ما على ساحة الأحداث تأتي من نشاطه الفعلي على الأرض، لا من خلال الدعاية والظهور الإعلامي فقط. أما الحقيقة الثانية فتكمن في استخلاص داعش قواعد العمل الإرهابي المعاصر، وقدرته على التعامل مع التقنيات الحديثة وحشد المتعاطفين والأتباع، من خلال آلة إعلامية قوية نجحت في إبهار قطاع عريض من الشباب، الذي مورست عليه مؤثرات عاطفية ونفسية ترتبط بمفاهيم المواطنة ودرجاتها وفق أصول الشخص ولونه وثقافته، ومؤثرات دينية مرتبطة بمفهوم الخلافة والحكم والولاء وغيره، فانساق وراء التنظيمات الإرهابية على غير هدي بحثًا عن مخرج من معاناته والتماسًا لشعور بالذات واعتدادًا بالنفس واستعادة للهوية، وهي معان افتقدها في محيطه الاجتماعي الغربي. حيث أن فكرة المكافحة ومناهضة العمل الإرهابي تكمن أساسًا في معرفة دقيقة وعلمية بطبيعة العنصر الإرهابي وتكوينه النفسي والفكري والعقدي، فضلًا عن أساليب التنظيمات ومناهجها في اجتذاب العناصر واستقطابها؛ وهو الأمر الذي تنبني عليه معالجة فكرية وعلمية صحيحة لمشكلة التطرف الفكري والإرهاب المسلح على حد سواء.