هناء شلتوت تكتب: ”حج مغشوش”
الحج رحلة إيمانية فريدة تجذب ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم، حاملين معهم آمالهم وأدعيتهم وأفراحهم وأتراحهم، ويعد الحج فرصة فريدة من نوعها للتعارف بين المسلمين من مختلف أنحاء العالم، وتبادل الخبرات والثقافات، وتكوين صداقات جديدة، كما يساعد الحج على تعزيزِ الوحدة والتضامن بين عامة المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، فضلا عن كونه فرصة للتواصل بين الأجيال، ونقل القيم والمبادئِ الإسلامية من الأجيال الكبيرة إلى الأجيال الصاعدة.
ولأن هذه الرحلة محفوفة بالمزيد من الروحانيات الإيمانية فمن الواجب علينا أن نسعى جاهدين للحفاظ على قدسيتها خاصة في عصر الانفتاح على "السوشيال ميديا"، وذلك من خلال استخدام هذه الوسائل بمسؤولية وحكمة تمكننا من مشاركة تجاربنا مع الآخرين ونشر المعرفة الإسلامية ورسائل الإيمان والتقوى من أجل إلهام البعض لأداء هذه الفريضة العظيمة، وكذلك نشر رسائل إيجابية تعزز شعور الإخاء والمساواة بين الغني والفقير حول العالم، لا التفاخر أو التباهي بأداء الفريضة، أو استغلال المشاعر المقدسة بقصد الدعاية والتسويق وتحقيق بعض المكاسب المادية.
فبين الواقع والافتراضي نجد أن هناك محاولات لتفريغ هذه الرحلة المقدسة من مضمونها الروحي بعدما حفها المزيد من الأزمات والظواهر السلبية، حيث طفت لدينا ظاهرة جديدة إن جاز التعبير يمكننا أن نسميها "حج بلوجر" وهي الظاهرة التي أثارت جدلًا واسعا حول أخلاقيات الحج والتحديات المتزايدة التي تواجه هذه الفريضة العظيمة.
ولو تطرقنا لهذه الممارسات فحدث ولا حرج، فقد رأينا مجموعة متنوعة من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة إعلاميو البرامج الدينية يحاولون استغلال الركن الأعظم من أجل اللحاق بسباق "الترند والريتش" وحصد المزيد "اللايكات" و"الكومنتات"، فهذه مذيعة لأحد البرامج الدينية تُسَوق من أمام الكعبة لإحدى شركات السياحة، وغيرها تركت روحانيات البقعة المقدسة لتنشغل بمقاطع البث المباشر، وأخري لم تكف عن صناعة مقاطع الفيديو من أجل الدعاية لإحدى شركات ملابس الإحرام، وآخر ينشد المزيد من المشاهدات عبر خاصية "استوري"، حتى تحولت قدسية المشاعر المقدسة إلى ما يطلق عليه بالمعنى الدارج "سبوبة" وتجارة باسم الدين، وتحول التركيز من أداء المناسك والتوحد مع روحانيات المكان المبارك إلى التقاط الصور ومشاركة اللحظات على المنصات الافتراضية وبات الأمر مُشتتًا للانتباه عن جوهر الحج، وهو التعبد والتواصل مع الله تعالى ، ليصبح الهدف هو كسب إعجاب الآخرين بدلاً من إرضاء الله تعالى.
اقرأ أيضاً
- أول تعليق من مختار جمعة عقب مغادرته منصب وزير الأوقاف
- كوستا العملاق يقود البرتغال لدور ربع نهائي يورو 2024 لمواجهة فرنسا
- أسبانيا تكتسح جورجيا برباعية وتواجه ألمانيا في قمة نارية بدور ربع نهائي يورو 2024
- الميدان تهنئ الحاج كمال السماحى بمناسبة نجاح ابنته شيرين بالفرقة الثالثة بكلية التجارة
- قصيدة تهنئة بمناسبة عودة حجاج بيت الله الحرام
- جهات التحقيق تستجوب المتهمين بالنصب على المواطنين بدعوى تسفيرهم للخارج
- النيابة العامة تتخذ إجراءات رادعة ضد مخالفي ضوابط الحج
- مودريتش يتحدث عن الاعتزال بعد خروج كرواتيا من يورو 2024
- رئيس التحرير يكتب : المتاجرون بشعائر الله !
- الداخلية السعودية: نجاح الخطة الأمنية لحج هذا العام .. وشركات سياحية في بعض الدول غررت بحاملي تأشيرات الزيارة
- قيادي بمستقبل وطن يثمن توجيهات الرئيس السيسي بشأن دعم الحجاج المصريين
- بالأرقام .. جهود منظومة الصحة السعودية في خدمة ضيوف الرحمن
وهنا نقف عند خصوصية الحج، والذي يعد رحلة شخصية للغاية، فمن الواجب مراعاة خصوصية الحجاج في مشاركة تجاربهم على الملأ، ومن المهم أيضا احترام مشاعرهم وعدم نشر أي محتوى قد يُسبب لهم الإحراج أو الضيق، فضلا عن أهمية التحلي بالتوازن فلا شك في أن "السوشيال ميديا" أداة قوية يمكن استخدامها لنشر رسائل إيجابية، لكن من المهم استخدامها بمسؤولية وحكمة، خاصة فيما يتعلق بالحج.
ومن الرياء من أجل "اللايك والشير" إلى التحايل والنصب بشأن إجراءات أداء الفريضة فلم يختلف الأمر كثيرا، فلا شك في أن التلاعب بالمشاعرِ الدينية كان له الغلبة وراء عمليات النصب والاحتيال التي تعرض لها حجاج بيت الله الحرام من قبل شركات السياحة، الأمر الذى جعل موسم الحج هذا العام يشهد أزمة إنسانية مأساوية تتمثل في ارتفاع معدلات وفيات الحجاج غير النظاميين، نتيجة استغلال بعض شركات السياحة التي قدمت لهم عروضًا وهمية للحج بأسعار زهيدة، دون توفير الخدمات الضرورية للحجاج، على الرغم من أن سلامة الحجاج وحفظ كرامتهم واجبا دينيا وإنسانيا لا يجب التهاون فيه.
وهذا النهج الغير أخلاقي يضع القادة الدينيين أمام مسؤولية جديدة تستدعى تجديد الوعى الديني لدى العوام بما لهم وما عليهم من أجل أداء فريضة الحج التي اختصها الله بقدسية المكان والزمان، والابتعاد عن كل ما من شأنه الرياء في هذه الفريضة أو استغلالها لربح مادى، والسعي لتحقيق التوازن بين مشاركة تجاربنا مع الآخرين والحفاظ على جوهر هذه الرحلة المقدسة، ومن ثم يبقى التركيز على الجانب الروحي للحج أولوية بدلاً من التركيز على التقاط الصور ومشاركة اللحظات على المنصات الافتراضية من أجل الربح المادي، وذلك على خلاف ما دعي له الله عز وجل ورسوله من أجل حجا خالصاً لوجههِ الكريم حتى يصبح حجا مبرورا لا مغشوشا.
فالحج رحلة إيمانية، لا حسبة تجارية، ومن ثم وجب علينا الحرص على جعلها رحلةً تُثري إيماننا، وتُغسل قلوبنا، وتُقربنا من الله تعالى، وتعزز الوحدة بين المسلمين حول العالم، ومن ثم على كل مسلم قصد هذا البيت أن يخلص العبادة لله وحده، وأن يجتهد في أن تكون أعماله كلها لله وحده: في صلاته ودعائه، في طوافه وسعيه، وفي جميع عباداته؛ ولهذا قال الله تعالى: "وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ"، و قَوْلُهُ تعالي: "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ".