عمل الابتكار في مجال حماية التراث الثقافي بين الصين ومصر
بقلم ليانغ سوولي
إعلامية صينية
يقع مقياس بايهيليانغ في نهر اليانغتسي في الصين ويقع مقياس النيل في نهر النيل في مصر، ويمثل هذان الأثران التراث الهيدرولوجي في العالم الذي لا يزال يحتوي على بقايا مادية لقياس منسوب المياه. ولم يسجلا التغيرات الهيدرولوجية على مدى آلاف السنين الماضية فحسب، بل شهدا أيضا التعايش المتناغم بين الحضارات الزراعية القديمة والطبيعة في كلا من الصين ومصر، مما يدل على الحكمة المشتركة في قياس منسوب المياه بين الحضارات المختلفة.
منذ عام 2021، أجرت الصين ومصر دراسة جدوى لترشيح مشترك للتراث الثقافي العالمي، وعملت الإدارات ذات الصلة وفرق الخبراء معا بشكل وثيق لاستكشاف مسار الترشيح الذي يلبي معايير اليونسكو من خلال عمليات الاستكشاف والمناقشات وغيرها من الأشكال. وفي يوليو 2024، توصلت حكومة مدينة تشونغتشينغ الصينية والمجلس الأعلى للآثار المصري إلى توافق في الآراء، ووقعتا مذكرة بشأن ترشيح مشترك للتراث الثقافي العالمي، وحددا خطة الإعداد لمنظمة الترشيح، مما يمثل التقدم الجديد في التبادلات الحضارية بين الصين ومصر.
مقياس بايهيليانغ هو عارضة حجرية طبيعية مغمورة دائما بالمياه يبلغ طولها حوالي 1600 متر وعرضها 15 مترا، والذي يقع في قسم فولينغ من نهر اليانغتسى في مدينة تشونغتشينغ الصينية. هناك سمكتان حجريتان منقوشتان على العارضة، فكلما جفت مياه النهر وخرجتا السمكتان الحجريتان من الماء، يمكن للناس الحكم على درجة تضاؤل مياه النهر من خلال ملاحظة المسافة بين عيون السمكة وسطح الماء على غرار "درجة صفر على المقياس" المستخدمة في المحطات الهيدرولوجية الحديثة. ولذلك يُعرف مقياس بايهيليانغ باسم "المحطة الهيدرولوجية القديمة".
على العارضة، وسجلوا البيانات الهيدرولوجية للمياه المنخفضة خلال 72 عاما على مدى 1200 عام منذ عام 764م و165 قطعا من نقش من الأسر الماضية، والتي أصبحت دليل مهم للإنتاج الزراعي.
بعد احتجاز المياه في سد الخوانق الثلاثة، غرق مقياس بايهيليانغ بشكل مستمر. ومن أجل حماية هذا التراث الثقافي الثمين، قامت الصين ببناء متحف بايهيليانغ تحت الماء. يستخدم هذا المتحف تقنية "الحاوية غير المضغوطة" المبتكرة لبناء غطاء خرساني مسلح على عمق 40 مترا تحت الماء في نهر اليانغتسى للحفاظ عليه. وصفته اليونسكو بأنه أول متحف للتراث تحت الماء في العالم متاح لغير الغواصين. ويمكن للزوار الوصول إلى المتحف تحت الماء من خلال مصعد يبلغ طوله أكثر من 90 مترا ورؤيته والنقوش عليه.
وأثارت حكمة قياس منسوب المياه في مصر الإعجاب أيضا. في وقت مبكر من قبل الميلاد، اخترع المصريون مقياس النيل لقياس منسوب المياه في نهر النيل. ويُستخدم المقياس لقياس منسوب مياه نهر النيل خلال موسم الفيضان، ويرجع تاريخه لأكثر من 5000 عام، وقد تم تسجيلها لأكثر من 1300 عام، وتصل سجلات منسوب المياه المستمرة لمدة 662 عاما. ويؤثر بدوره على عملية الزراعة مما يترتب عليه تحديد نسبة الضرائب.
وكان هناك ما لا يقل عن 20 مقياسا على نهر النيل، وتنتشر بشكل رئيسي في منطقة أسوان جنوبا ودلتا النيل شمالا. هناك ثلاثة أنواع رئيسية من مقاييس النيل، وهي العمود الرأسي ودرج الممر من الخطوات المؤدية إلى نهر النيل وبئر عميقة مع مجرور. ومقياس النيل بجزيرة الروضة بالقاهرة الذي يشارك في الترشيح المشترك مع الصين هذه المرة هو النوع الأول.
يقع مقياس النيل بجزيرة الروضة في بئر منقوشة بشكل جميل. عند الدخول إليه، يمكنك رؤية عمود رخامي مثمّن الشكل يبلغ طوله 19 ذراع (أكثر من 9 أمتار) ويقف في وسط البئر، منقوش عليه علامات القياس، ويمكنه قياس التغيرات في منسوب المياه بحوالي 9.5 متر.
وعندما كان منسوب المياه في النيل أقل من 12 ذراعا، فهذا يعني أن البلاد سوف تعاني من مجاعة شديدة. وعندما يتجاوز 18 ذراعا، فهذا يعني أن الفيضان على وشك الحلول.
وأولت الحكومة المصرية باهتمام كبير للحفاظ على مقياس النيل وحمايته. وأنشأ المجلس الأعلى للآثار المصري إدارة الآثار الغارقة لإجراء عمليات تفتيش وإصلاحات منتظمة له لضمان الحفاظ على هذا الأثر الهيدرولوجي القديم وإظهار الحكمة الهيدرولوجية لمصر القديمة للأجيال القادمة.
والآن، تسير عملية الترشيح المشترك بسلاسة، وقد كلف الطرفان المؤسسات المتخصصة بإعداد نص الترشيح المشترك والسعي لاستكمال الأعمال المتعلقة به في أقرب وقت ممكن. وخلال هذه الفترة، عرضت الصين نموذجا مرمما لمقياس النيل في مدينة تشونغتشينغ. ومن خلال العرض الثقافي هذا، عززت فهم مواطني تشونغتشينغ للثقافة الهيدرولوجية المصرية القديمة، وعززت التعاون والتبادلات بين البلدين في مجال التراث الثقافي.
إن الجهود المشتركة التي تبذلها الصين ومصر لترشيح مشترك للتراث الثقافي العالمي ليست مجرد ابتكار في مجال حماية التراث الثقافي، ولكنها أيضا سدت الفجوة في التراث الهيدرولوجي في قائمة التراث الثقافي العالمي، وأنشأت منصة جديدة للتعاون والتبادلات الثقافية بين البلدين. ومن خلال هذا التعاون، يستطيع البلدان حماية هذه الآثار الهيدرولوجية الثمينة بشكل أفضل، وينفذان تعاونا أوسع في مجالات حماية التراث والبحث الأكاديمي والحفريات الأثرية، ومما يعزز التواصل والاستفادة المتبادلة بين الحضارات، يساهم في حماية تنوع التراث الثقافي العالمي.