مصر وتركيا العمق الإستراتيجي وتصفير المشكلات
بقلم : د. فتحي العفيفيتأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تركيا (سبتمبر٢٠٢٤م) ، في ظل ظروف إقليمية وعالميه بالغة الدقه والتعقيد، لتثبت من جديد منهجية البحث السياسي الإشكالي، حيث لا توجد صداقة دائمة ولا خلاف دائم، وإنما هناك دائما مصالح مشتركه ، وعندها فقط تسقط الدوجما من عليائها إلى ضرورة مراعاة الشأن العام بكل متطلباته، وبعيدا عن السرديات والمرويات التاريخيه التي تؤصل لماض سحيق من علاقات الصداقة والارتباط بين البلدين فإن الراهن يشي بمجموعة من الاستحقاقات والتحديات نجليها ونجملها فيما يلي:-
أولا:- البعد الابيستمولوجي/ الأيديولوجي
تقدر مصر عاليا عطاءات تركيا في التاريخ الإنساني بوصفها دوله الخلافه التي حفظت للإسلام والمسلمين هويتهم عبر عقود طويله ، وقد ظهر مثل هذا الاحتفاء، وذلك التقدير من خلال حالة المتابعه الداؤوبه والابهار والتشويق والحنين إلى الماضي التي أحدثتها المسلسلات التركيه ذات التقانه التكنولوجيه الذكيه،
كما تقدر تركيا بنفس القدر إسهامات المصريين في الحضاره الإنسانية عبر التاريخ ، سواء ماتعلق منها بالفراعنه، مرورا بعصر محمد علي الذي أحدث نهضة في الشرق كانت منسوبه إلى العثمانيين ،إلا أن استقلاله الجلي الواضح قد جلب عليه وعلى العثمانيين مساوئ وعداءات الغرب الأوربي، فيما بقيت الحقبه بأكملها تؤرخ لمعرفه وتاريخ مصري/تركي مشترك في وجه الإمبريالية العالميه.
ثانيا:- البعد السيكولوجي/ السوسيولوجي
هنالك بعد يتعلق بالمزاج العام في المجتمعين المصري والتركي قد دفع باتجاه المصالحه ،ومحاولة تناسي الخلافات -الاستثناء- بعض هذا السيكولوجي يرتبط ارتباطا وثيقا بحالة التدين المستنير المتوضئ دائما بالعقلانيه والرشد، وربما يرجع مثل هذا التناغم والانسجام إلى التيار الصوفي الوازن الواسع الإنتشار ذي القواسم المشتركة الذي لا يتسلف كما لاينزع إلى السياسه، وإنما انزوى عبر الزوايا والتكايا إلى العباده الخالصه لله ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، صحيح أن تركيا/ السلطه حاولت دعم حركات الإسلام السياسي الراديكالي في أكثر من بلد عربي استغلالا للسانحه التاريخيه التي قد لايجود الزمان بمثلها،وأعادت زي التشريفه العثمانية تأهبا لمحاولة تعميم خلافه جديده استدعتها من التاريخ إلا أن سقوط المشروع بالتداعي في كل البلدان التي دخلتها على خلفية حسابات غير دقيقه ،قد دفع الإداره السياسيه هناك إلى المراجعه الشامله والعوده إلى نظرية تصفير المشكلات.
ثالثا:- البعد الأيكولوجي/ التكنولوجي
في كتابه لمحاولة صناعة عالم تركيا الجديد (العمق الإستراتيجي ) حرص أحمد داؤود أوغلو على البعد الإقليمي والبيئة المحيطه بوصفها المنطلق الذي يوفر المكانه،وراح يفتش في كل شبر وصل إليه الأتراك قديما ليستنطق ثقافة قد ماتت، ويحاور ازمنه قد اندثرت، فكانت النتيجه أن انتحرت النظريه وأقصي صاحبها إلى تيار المعارضه،
فالبيئه الإقليمية تطرح تحديات ترتبط بروح العصر التكنولوجي الفائق القدره والتأثير، وقد دخلت ثورتا الأنفوميديا والهايبرميديا إلى صميم المفاصل المؤثره، وأصبح العمق الإستراتيجي لكل دولة يصنع من خلال قدرتها أولا : على درء المخاطر والهجومات الأتيه من الجيوش الإليكترونية، والذئاب المنفرده، ثم فاعليتها ثانيا: في التعامل مع بيئة مضطربه سياسيا واقتصاديا، وتفكيك شبكة التعقيدات التي تفرضها حروب غير منتهيه ،ومعارك نصف بادئة ، في هذا السياق طرحت الدوله المصريه عبر عقد من الزمان سلسلة من النظريات التي تناسب تحدياتها (العمق والمجال) ، وكان (الغموض البناء) ، و(الكمون الإستراتيجي) ، و ( الخط الأحمر ) أفكار للاشتباك الحذر مع التحديات التي تفرضها الأوضاع في ليبيا، والسودان، وقطاع غزه وأثيوبيا والصومال، والشاهد أن البيئة المعقده السياسات الإقليمية قد فرضت على البلدين ضرورة البحث عن ترتيبات استراتيجية مشتركه،وبخاصة كيفية التعامل مع الصلف الإسرائيلي في قطاع غزه وحربها هناك التي تبدو أنها بلا نهاية .
رابعا:- البعد البيولوجي/الأنطولوجي
(محنة النص في أنطولوجيا التعالي)
الدوله- أي دوله- كائن حي ينمو ويتطور، والسلطه- أي سلطه- تبدأ ثم تزدهر ثم تشيخ وتضعف بحسب النظريه الخلدونيه للتعاقب الدوري، وقد اجتمعت في الحقبه التاريخيه الراهنه قضايا / مشاريع نزاعيه/صراعيه ، كل دوله تحمل بيدها نصا/مشروعا كمسوغ أخلاقي لتبرير مواقفها السياسيه
دول تحاول أن تلعب دورا :( الإمارات العربية المتحدة- قطر- أثيوبيا- على سبيل المثال ) وأخرى تحكمها تاريخيا رغبة القياده:(مصر- تركيا- إيران- السعوديه) وثالثه ذات ارتباط تاريخي بالهيمنه:( روسيا- أميركا- الصين) وفي هذا السياق ظهرت ملفات ساخنه يجب أن تجلس حولها القياده السياسيه في البلدين مثل:- - -ملف غاز المتوسط ، ومحاولة حل أزمة الغاز المسال
-الحدود البحريه مع قبرص واليونان
-تصفية ملف الهاربين من مصر ( الإخوان ومن لف لفيفهم)
- تصفية ملف جماعة الخدمه (فتح الله جولن)
- الاستثمارات المشتركه ورفع القيمه من ٦ مليار دولار إلى ١٥ مليار دولار سنويا-
- الطاقه الجديده والمتجدده-
- إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تركيا تأتي بعد حوالي ستة أشهر من زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى مصر بمساعي من دولة قطر التي مهدت للمصالحه في بدايتها، وواقع الأمر أن عودة العلاقات المصريه القطريه، ثم المصريه التركيه ليعد نجاحا بالغا للدبلوماسيه ووجهة النظر المصريه ،كما أن استراتيجية ضبط النفس لسنوات عديده حيال الدعايات المناوئة، والحملات والهجومات الإعلامية، لتعد موضوعات محفزه على البحث والدرس لاستخلاص العبر، واستجلاء الحقائق العلميه لاستنباط منهج جديد في دراسات العلوم السياسيه، والعلاقات الدوليه، وتبقى الزياره بكل ملابساتها نقطة تحول جوهريه في تاريخ البلدين وواقع ومستقبل الشرق الأوسط.