الإهمال في تعليم الأطفال والعنف
بقلم : ياسمين شكرى
الإهمال في تعليم الأطفال والعنف الممارس ضدهم يشكلان تحديات خطيرة تهدد المجتمع بأسره، وليس فقط الأفراد الذين يعانون منهما. فالأطفال هم حجر الأساس لبناء مستقبل أي أمة، وأي قصور في رعايتهم وتعليمهم بشكل صحيح يعرض مستقبل المجتمع بأكمله للخطر. التعليم ليس مجرد حق إنساني أساسي، بل هو بوابة النمو والتقدم، وهو الوسيلة التي من خلالها يتمكن الطفل من استكشاف إمكانياته وتطوير ذاته ليصبح عضوًا فعالًا في مجتمعه. أما العنف فهو العائق الأساسي أمام هذا التقدم، إذ يعمل على تدمير الثقة بالنفس ويزرع الخوف والعزلة في نفوس الأطفال، مما يعوق تطورهم العاطفي والفكري والاجتماعي.
يبدأ الإهمال في تعليم الأطفال من الأسرة، فهي المسؤولة الأولى عن توفير بيئة مشجعة وداعمة للطفل منذ ولادته. ومع ذلك، كثيرًا ما نجد أسرًا تتجاهل هذا الدور الحيوي إما بسبب الجهل بأهمية التعليم أو بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تدفعهم إلى التركيز على توفير الاحتياجات الأساسية فقط مثل الغذاء والمأوى. التعليم يُعتبر في بعض العائلات ترفًا وليس ضرورة، خاصة في المجتمعات الفقيرة أو الريفية حيث يُفضل البعض إرسال الأطفال للعمل بدلاً من المدرسة، مما يؤدي إلى حرمانهم من فرص التعلم وتطوير الذات.
لا يتوقف الإهمال على الأسرة فقط، بل يمتد إلى المؤسسات التعليمية التي من المفترض أن تكون الحصن الأول لحماية حقوق الأطفال في التعليم. بعض المدارس تفتقر إلى الموارد الضرورية لتقديم تعليم جيد، سواء من حيث المناهج، أو الكوادر التعليمية المؤهلة، أو حتى البنية التحتية. في هذه البيئات، يصبح التعليم مجرد عملية شكلية تفتقر إلى العمق، ما يؤدي إلى تراجع دافعية الطفل للتعلم ويزيد من احتمالية تسربه من المدرسة. كذلك، تعاني بعض المؤسسات التعليمية من ضعف في إدراك أهمية الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، مما يترك الأطفال الذين يعانون من مشكلات نفسية أو صعوبات تعلمية دون أي مساعدة، ويؤدي إلى تفاقم هذه المشكلات بدلاً من حلها.
أما العنف، فهو الوجه الآخر للمشكلة، وهو لا يقل خطورة عن الإهمال. العنف ضد الأطفال يمكن أن يظهر في صور عديدة: عنف جسدي، مثل الضرب المبرح، أو عنف نفسي يتمثل في الإهانات والسخرية، أو حتى عنف لفظي من خلال الكلمات الجارحة والتنمر. هذه الأنواع من العنف يمكن أن تحدث في المنزل، حيث يكون الأهل هم المصدر الرئيسي، أو في المدرسة حيث قد يصدر العنف من المعلمين أو من زملاء الدراسة.
العنف الذي يُمارس ضد الأطفال لا يؤدي فقط إلى إلحاق الأذى الجسدي بهم، بل يترك آثارًا نفسية عميقة. فالطفل الذي يتعرض للعنف يشعر بالخوف المستمر، مما يؤثر على ثقته بنفسه وقدرته على التفاعل مع الآخرين. كما أن هذا الطفل قد يصبح أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب أو القلق المزمن، مما يؤثر على تحصيله الدراسي وعلى مستقبله بشكل عام. في بعض الحالات، قد يؤدي العنف إلى نتائج كارثية مثل الانتحار أو الانخراط في سلوكيات خطرة مثل تعاطي المخدرات أو الجريمة.
عندما نجمع بين الإهمال في التعليم والعنف، نجد أنفسنا أمام جيل يُحرم من أبسط حقوقه في الطفولة، ويُترك ليواجه تحديات الحياة دون أي أدوات تمكنه من النجاح أو التقدم. الأطفال الذين يعانون من هذه المشكلات يكبرون ليصبحوا بالغين غير قادرين على المشاركة الفعالة في المجتمع، مما يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة والفقر والجريمة، وينعكس بالسلب على المجتمع ككل.
لحل هذه المشكلة المعقدة، يجب اتخاذ خطوات جادة على مستويات متعددة. أولًا، يجب رفع مستوى الوعي بأهمية التعليم كحق أساسي للطفل، من خلال حملات إعلامية وبرامج توعية تستهدف الأسر والمجتمعات. التعليم ليس ترفًا بل استثمار طويل الأمد في مستقبل الطفل ومستقبل المجتمع بأسره.
ثانيًا، يجب تحسين جودة التعليم في المدارس من خلال توفير الموارد الضرورية وتدريب المعلمين على استخدام أساليب تعليمية تدعم الأطفال نفسيًا وأكاديميًا. يجب أن تكون المدارس بيئة آمنة تحمي الأطفال من أي شكل من أشكال العنف، سواء كان من المعلمين أو من زملائهم.
ثالثًا، يجب أن تكون هناك قوانين صارمة تُجرّم الإهمال والعنف ضد الأطفال، مع وضع آليات فعالة لمتابعة تنفيذ هذه القوانين. لا يكفي سن التشريعات إذا لم يكن هناك التزام حقيقي من الجهات المختصة بتطبيقها.
رابعًا، يجب توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين تعرضوا للإهمال أو العنف، من خلال برامج تأهيلية تساهم في مساعدتهم على تجاوز آثار هذه التجارب السلبية واستعادة الثقة بأنفسهم.
وأخيرًا، يجب على المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية أن تلعب دورًا أكبر في حماية حقوق الأطفال، من خلال تقديم برامج تعليمية ومبادرات تهدف إلى تمكين الأطفال من تحقيق إمكانياتهم الكاملة.
الإهمال في تعليم الأطفال والعنف الممارس ضدهم ليسا مجرد مشكلتين بسيطتين يمكن تجاوزهما بالتجاهل، بل هما تحديان كبيران يجب مواجهتهما بحزم ووعي. الأطفال هم ثروة الأمم، وحمايتهم وتعليمهم ليست مسؤولية فردية بل واجب جماعي يتحمل الجميع فيه نصيبهم. مستقبل المجتمعات يبدأ من حماية أطفالها، لأنهم البذرة التي ستثمر مستقبلًا زاهرًا إذا تم رعايتهم وتوفير البيئة المناسبة لهم لينموا ويتقدموا.