كيفَ أنمِّي تقديرَ الذاتِ لدى أبنائِي؟
بقلم: الدكتورة هدى سعيد الدهماني
تعد تربية الأبناء واحدة من أصعب المهام التي يمر بها الآباء، إذ تحتاج تنشئة الأبناء تنشئة إيجابية سليمة إلى كثير من التعلم والصبر. وتربية الأبناء من أهم الواجبات المطلوبة من الأبوين، فقد أمر الله تعالى بها في القرآن الكريم، ومن بعده الرسول صلى الله عليه وسلم أولى أهميتها، وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم:6].
مما لا شك فيه أن مهمة بناء شخصية إيجابية ليست بمهمة سهلة سواء أكانت مهمة الآباء أم مهمة المعلمين أو قادة المجتمع. ويعد تقدير الذات من أهم المهارات الشخصية التي يجب أن يكتسبها الطفل منذ الصغر كي يخرج إلى المجتمع شخصا سويا.
ومن خلال تجاربي الواقعية، وبحكم وظيفتي كقائدة تربوية، وجدت أن اللغة التي يستخدمها الآباء مع أبنائهم عبر المواقف اليومية تعكس لهم صورة أنفسهم. لذلك نجد أن تقييم الآباء لسلوك الأبناء وكلماتهم، ونبرات أصواتهم، وإطرائهم، وتوبيخهم، ما يشكل لدى الأبناء تقديرهم لأنفسهم، وإحساسهم بذواتهم.
وفي البداية عزيزي القارئ، دعني أصطحبك في جولة تعريفية لمفهوم تقدير الذات وأهميته في بناء شخصية الأبناء، وماهية لغة تقدير الذات، وإلقاء الضوء على خصائص الطفل الذي يتمتع بتقدير عال لذاته، مقارنة بمن يمتلك تقديرا منخفضا لذاته، بالإضافة إلى كيفية تشكل مفهوم الذات لدى الأبناء وأسباب تدني تقدير الذات لدى بعض الأبناء، بالإضافة إلى التعريف ببعض الاستراتيجيات الفعالة لتنمية الذات لدى أبنائكم.
فتقدير الذات هو الأفكار الإيجابية التي يؤمن بها الشخص عن نفسه، والإحساس الداخلي من الكفاءة والجدارة والقدرة على الإنجاز والنجاح والشعور بالرضا والطمأنينة.
وقد عرف أرسطو الذات على أنها عملية إدراك الواقع، التي يقوم بها العقل، وتحويل ما تم إدراكه إلى أنشطة يتم ممارستها بشكل يومي، وتساعد الإنسان على الاستمرار بالحياة، بما في ذلك التفكير، والخيال، والنمو، والتكاثر، وغيرها.
ومن منظور آخر، نرى أن تقدير الذات في المفهوم هو تقييم الفرد لنفسه، وشعوره بالاحترام والقيمة والكفاءة، وكلما زاد احترام الطفل والمراهق لذاته، زادت قدرته على التعامل مع أمور الحياة بشكل إيجابي، وهذا بالتالي يؤدي إلى ازدياد تقديره لذاته.
فكلما كان تقدير الطفل والمراهق لذاته أكثر إيجابية، كانت ثقته بنفسه وقدرته على تكوين صداقات مع الآخرين أكبر، بالإضافة إلى ذلك فهو يكون أكثر قدرة على العطاء، وأكثر شعورا بالأمان والسعادة، فتتكون لديه الثقة لتجربة أشياء جديدة، مما يجعله يشعر بالفخر تجاه ما يمكنه فعله.
ومن ناحية أخرى، فإن الشعور السلبي لتقدير الذات يرتبط بشخصية الطفل بنفسه، وضعف أدائه المدرسي، وإصابته بالاكتئاب والقلق والانطوائية، ومعاناته من مشاكل النوم، فتقدير الطفل لذاته يؤثر سلبا عليه في كافة النواحي الاجتماعية والنفسية والتعليمية من حيث رضاه عن ذاته وإنجازاته ونظرته النفسية، وبالتالي يصعب على الطفل الاندماج في المجتمع بطريقة صحية، ويصبح عاجزا عن مواجهة التحديات والصعاب بسبب قلة ثقته بنفسه وقدرته على تحقيق النجاح.
لذلك، على الآباء معرفة اللغة التي يتحدثون بها مع أبنائهم، والتي تساهم في تنمية وتعزيز تقدير الأبناء لذواتهم، وهي ما تعرف بلغة تقدير الذات، وتشتمل على أربعة محددات رئيسية، وهي كالتالي:
• وصف السلوك: عندما تعمل على توجيه أبنائك أو تقييمهم، عليك أن تصف سلوكهم دون أن تحكم عليهم كأشخاص. مثال: "لقد تأخرت عن موعد نومك".
• توضيح ردة فعلك تجاه سلوكهم: عليك أن توضح شعورك أو مدى انزعاجك من سلوك ابنك. مثال: "يزعجني أن أراك مستيقظا إلى هذه الساعة المتأخرة".
• الاعتراف بمشاعرهم: من الأولوية إعطاء مشاعر الابن أهمية فائقة، وعدم الاستهزاء بها. مثال: "أنا أفهم كم أنت مهتم بهذا البرنامج التلفزيوني".
• التعبير بوضوح عما هو متوقع منه: وهذا يساعد الابن على إدراك ما هو متوقع منه فتصله الرسالة واضحة. مثال: "أريد منك أن تذهب للنوم خلال عشر دقائق من الآن".العبارة كالتالي" لقد تأخرت عن موعد نومك، يزعجني أن أراك مستيقظا إلى هذه الساعة المتأخرة، أنا أفهم كم أنت مهتم بهذا البرنامج التلفزيوني، أريد منك أن تذهب للنوم خلال عشر دقائق. إنها عبارة دقيقة ومحددة وتدل على احترام الابن، وتهتم بوصف السلوك، وتبين السبب الذي من أجله يرغب أحد الوالدين في تغيير السلوك، وتعترف بمشاعر الابن وأحاسيسه، وتحدد ما هو متوقع منه بوضوح.
وهذا ينقلنا إلى أساليب تدمر تقدير الطفل لذاته، وهي مجموعة من الأساليب السلبية التي يستخدمها العديد من الآباء والأمهات دون قصد وعن جهل بهدف تربية أبنائهم، وقد أثبتت الأبحاث والدراسات في هذا المجال أن تأثير تلك الأساليب سيئ على ثقة وتقدير الطفل لذاته. وهي:
العنف والقسوة والضرب، والسخرية وكثرة التعليقات والانتقادات واللوم، والمقارنة مع الأقران أو الإخوة الآخرين، وعدم تقبل الفروق الفردية الموجودة بينهم، والتلاعب بالحب، وتجاهل الأشياء التي يحبها الطفل ويهتم بها، وتجاهل مشاعره، وعدم الإنصات له، ووصفه بتعابير سيئة من قبيل: "أنت كسول، أنت عصبي، أنت مزعج".
وأيضا من الأساليب السلبية حماية الطفل بشكل مفرط أي القيام نيابة عنه بما يمكنه القيام به، والخوف المبالغ فيه عليه، والتساهل المفرط بتركه يفعل ما يحلو له، أو عدم الحزم في وضع الحدود لتصرفاته، وعدم اتفاق الأبوين على طريقة واحدة في تربيته.
استراتيجيات فعالة لتنمية تقدير الذات لدى أبنائكم
أولا: اجعل ابنك مسؤولا
فشعور الابن بالمسؤولية يدفعه إلى تقدير إمكانياته وقدراته على القيام بالمهام الموكلة إليه وبالتالي تقدير ذاته.
ثانيا: اطلب العون والمساعدة من ابنك
إدراك الابن لأهمية وجوده من خلال تقديمه للمساعدة أو الأخذ برأيه هو المفتاح لتقدير الذات.
ثالثا: امنح ابنك فرصة الاختيار
فإن حصد الابن لنتائج ما قام باختياره، يعطيه الدافع لتنمية ثقته بنفسه وباختياراته وتقدير ذاته.
رابعا: تجنب المدح المفرط
حيث يتوجب علينا الاعتدال في مدح الابن بعيدا عن المبالغة؛ لأن ذلك يساهم في تعزيز تقدير الابن لذاته بشكل حقيقي ويحميه من أية خيبة أو إحباط في المستقبل.
خامسا: أظهر لابنك الحب غير المشروط
تعد مشاعر الحب والأمان والعطف سببا كافيا لتقدير الذات لدى الأبناء عندما يشعرون بالحب والقبول دون قيد أو شرط؛ لأن ذلك يساهم في تعزيز الشعور بتقدير الذات.
سادسا: تقبل فكرة الفشل واجعل الإخفاقات خبرات للتعلم
قم بإدارة فشل ابنك بوعي وحكمة ومهارة من خلال تقدير الأخطاء والعمل على تصويبها والحفاظ على تقدير ابنك لذاته.
سابعًا: لا تستهزئ بابنك ولا تهنه:
تجنب الاستهزاء بابنك، وراع الجانب الشعوري لديه، والدور الفعال لذلك الجانب في بناء عقلية نمو ابنك على أساس الثقة بالنفس والتقدير الذاتي.
ثامنًا: امنح ابنك الاستقلالية:
احرص على منح ابنك الفرصة لبناء شخصيته المستقلة؛ لتعزيز تقديره لذاته.
رسائلي إليكم أيها الآباء:
يجب عليكم دائمًا أن تخبروا أبناءكم بأن عليهم أن يتعلموا من أخطائهم، فأخطاؤهم سبيل بناء شخصيتهم.
عليكم أن تسعوا لأن تكونوا القدوة الحسنة لأبنائكم، وهذا يعني أن تحرصوا على ألا تقللوا من قيمة أنفسكم أمام أبنائكم عندما تشعرون بعدم الثقة بالنفس.
تدوين الإنجازات:
فتدوين الإنجازات من أفضل الطرق لتنمية حب وتقدير الذات، ومن المهم جدًا أن تعودوا أبناءكم على تسجيل إنجازاتهم بشكل يومي، فكلما دونوا إنجازاتهم بصفة مستمرة ودائمة ساعدهم ذلك في بناء واحترام الذات لديهم بشكل أفضل.
شاركوا أبناءكم بالأنشطة المتنوعة والإبداعية بعد المدرسة:
إن تقدير الذات عند الأبناء يكون أعلى مستوى عند التحاق الابن بعد المدرسة بأنشطة يستمتع بها وتناسب ميوله واهتماماته، وتنمي مواهبه ومهاراته الإبداعية، فيتباهى بهذه الأنشطة مما يبني تقدير الذات عنده.
دعوا أبناءكم يتحدثون عن مخاوفهم:
من أهم الخطوات التي تعزز تقدير الذات عند الأبناء هي مساعدتهم للتغلب على مخاوفهم.
وبذلك، ومن خلال ما سبق، فإنه يقع على عاتق الوالدين الجزء الأكبر لتنمية تقدير الذات للأطفال، وزيادة ثقته بنفسه وبقدراته، وذلك من خلال اتباع الأساليب والاستراتيجيات السابقة في التعامل معه، واتباع أنشطة لتقدير الذات لدى طفلهم، والابتعاد عن كل ما يمكن أن يدمر ثقته بنفسه، ويزعزع تقدير الذات لديه من أساليب سلبية بغرض تربيته.
ختامًا عزيزي القارئ:
إن كنت تريد لأبنائك أن ينشؤوا بسعادة، فعليك أن تساعدهم لتحقيق الحب والتقدير الذاتي لأنفسهم.