التركيز على قضايا معيشة الشعب: الممارسات المبتكرة لمكافحة الفساد في الصين وقيمتها الدولية

بقلم ليانغ سوو لي
إعلامية صينية

يعد الفساد من القضايا المشتركة التي تواجهها بلدان العالم في مسيرة التحديث الحوكمي. في السنوات الأخيرة، استكشفت الصين مسارا فريدا لمكافحة الفساد عبر التفكير النظامي والممارسات المبتكرة، مما أعاد تشكيل البيئة السياسية الداخلية وقدم نمطا حوكميّا قيّما للمجتمع الدولي.

مختلفة عن الأساليب التقليدية لمكافحة الفساد بمنهج "شبكة الصيد الواسعة"، باتت جهود الصين الآن أكثر تركيزا على القضايا المؤثرة مباشرة على حياة المواطنين، مثل قبول العمولات على الأدوية، وفرض رسوم غير قانونية في التعليم، واختلاس أموال الإغاثة والحد من الفقر لأغراض أخرى.

كمثال على ذلك، في قضية فساد في قطاع الصحة، تورط أحد المسؤولين في مدينة شانتو بمقاطعة قوانغدونغ، حيث حصل على عمولات عبر عقود وهمية لشراء الأدوية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأدوية والإضرار بمصالح المواطنين الصحية. بعد الكشف عن القضية، تحركت لجنة الانضباط المحلية بسرعة، وحققت مع المسؤولين المتورطين، ودفعت إصلاحات عميقة في نظام إدارة المستشفيات لتعزيز الشفافية في عمليات الشراء وآلية الرقابة.

ولا تقتصر جهود الصين لمكافحة الفساد على التحقيق في القضايا الفردية ومعالجتها، بل تركز أيضا على بناء النظام الدائري المغلق المتمثل في التحقيق والإصلاح والوقاية من خلال آلية "تحفيز الإصلاح من خلال القضايا".

على سبيل المثال، في مواجهة الفساد في قطاع الصحة، أصدرت إدارة الدولة لشؤون تنظيم السوق في عام 2025 "دليل الامتثال لإدارة المخاطر المرتبطة بالرشوة التجارية في شركات الأدوية"، التي تغطي تسعة سيناريوهات في سلسلة توريد الأدوية، وتوضح "قوائم السلوكيات الإيجابية والسلبية". هذا النمط المتمثل في "استخدام التحقيق في القضايا ومعالجتها كفرصة لتنظيم المجالات المعنية" قد قلص بشكل فعال مساحات إساءة استخدام السلطة.

منذ المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، قامت الأجهزة الرقابية في جميع أنحاء البلاد بالتحقيق في 768 ألف قضية فساد مرتبطة بحياة المواطنين، ومعاقبة 628 ألف شخص، وإحالة 20 ألف شخص إلى أجهزة النيابة العامة. من خلال التركيز على هذه القضايا المحددة، يمكن تحديد حلقات الفساد بدقة والتصدي للفساد بسرعة، مما يسمح للمواطنين بالشعور الفعلي بالتغيرات التي أحدثتها أعمال مكافحة الفساد.

هذا النمط المتمثل في الإدارة الدقيقة الموجهة نحو معيشة الشعب لا يحل مشكلات المواطنين الفعلية فحسب، بل يعزز أيضا ثقتهم في جهود مكافحة الفساد ودعمهم لها، مما يضع أساسا شعبيا قويا للإصلاحات النظامية اللاحقة.

في العمل على مكافحة الفساد، تلعب الوسائل التقنية والمشاركة العامة دورا متزايد الأهمية مع استمرار تطور التكنولوجيا، بدأت الصين في استخدام تقنيات مثل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في عملية مكافحة الفساد، مما تجاوزت قيود الأساليب التقليدية، وخلقت نمطا جديدا مدعوما بالتكنولوجيا.

في بعض المناطق، تتيح منصات البيانات الضخمة للمواطنين الإبلاغ المباشر عن التصرفات الفاسدة، كما يستطيع نظام مراقبة البيانات تتبع وتحليل الوضع المالي للمسؤولين وتحركات الأموال العامة في الوقت الفعلي، حيث عزز بشكل كبير من الشفافية والكفاءة في مكافحة الفساد، وأدت تطبيقات هذه التقنيات إلى ظهور مشاكل الفساد الخفية، مما جعل التصرفات الفاسدة مستحيلة الاختباء.

علاوة على ذلك، لم تعد مكافحة الفساد مجرد مهمة حكومية أحادية، بل تعلب مشاركة المواطنين دورا حاسما. من خلال تعزيز الوعي بمكافحة الفساد والتعليم المستمر، تزايدت وسائل مشاركة المواطنين. مع إنشاء خطوط ساخنة ومنصات الإبلاغ الإلكترونية، يُسهّل على المواطنين المشاركة في عملية مكافحة الفساد، مما خلق جو من التعاون في "مكافحة الفساد على مستوى المجتمع بأسره."

رغم أن مكافحة الفساد رحلة طويلة لا يمكن رؤية نهايتها الآن تُظهر التجربة الصينية أنه عندما تبدأ الحكومة الحوكمة المركزة على معيشة الشعب، وتبني النظام الدائري المغلق المتمثل في التحقيق والإصلاح والوقاية، وتفتح أبعاد المراقبة عبر الابتكارات التكنولوجية، يصبح من الممكن تحقيق السياسة النظيفة. إن جهود الصين ونجاحاتها في مكافحة الفساد تعتبر تجربة إيجابية على مستوى العالم.

في المستقبل، ينبغي لبلدان العالم تعزيز التعاون والتواصل لمواجهة مشكلة الفساد بشكل مشترك، ودفع نظام الحوكمة العالمية نحو اتجاه أكثر عدالة ونزاهة.