معيشة الشعب أولاً: جوهر التحديث الصيني النمط

بقلم ليانغ سوو لي
إعلامية صينية
اقرأ أيضاً
بالمعجزات البيئية على هضبة اللوس، وبالممارسات المبتكرة لإصلاح النظام الصحي بمدينة سانمينغ، وبالمشاورات الديمقراطية داخل قاعات الحوار المجتمعي، يواصل الحزب الشيوعي الصيني تقديم إجابة معاصرة لمبدأ "الشعب أولاً" من خلال أفعاله الواقعية. إن فكر شي جين بينغ الاقتصادي، الذي يضع "تطلعات الشعب لحياة أفضل" كهدف نهائي، يكشف عن السمات الجوهرية للتحديث الصيني النمط. فهذا الفكر ليس مجرد دليل أساسي في حوكمة البلاد، بل يمثل المفتاح لفهم الإنجازات التنموية التي حققتها الصين.
من القضاء على الفقر إلى تحقيق الازدهار المشترك: منطق متدرج لتحسين معيشة الشعب
حقق الانتصار الكامل في معركة القضاء على الفقر معجزة في تاريخ البشرية في الحد من الفقر، حيث تم انتشال نحو 100 مليون شخص من الفقر في المناطق الريفية، وشهدت البنية التحتية الريفية تطورًا كبيرًا، مع بناء وتجديد أكثر من 1.1 مليون كيلومتر من الطرق الريفية، وبلغت نسبة القرى الإدارية المزودة بالألياف الضوئية وشبكة الجيل الرابع أكثر من 99%. تقف وراء هذه الأرقام تعهدات رسمية قوية بعدم ترك أي مجموعة عرقية متأخرة عن الركب، وإيمان راسخ بأنه لا يجب أن يتخلف أحد عن مسيرة بناء مجتمع رغيد الحياة.
لم يكن القضاء على الفقر نهاية الطريق، بل إنه نقطة انطلاق نحو تحقيق الازدهار المشترك. ومن خلال بناء نظام توزيع من ثلاث مراحل، بلغ عدد أصحاب الدخل المتوسط أكثر من 400 مليون شخص، ووصل متوسط دخل الفرد القابل للصرف إلى 39,218 يوان (حوالي 5,395.91 دولار أمريكي)، ما يعكس مسارًا صينيًا فريدًا نحو تحقيق الازدهار المشترك. هذا التطور المتدرج لا يعالج الفقر المطلق فحسب، بل يطرح حلولًا منهجية لمعالجة الفقر النسبي أيضًا.
تمكين مزدوج من البيئة والثقافة: بناء حياة جميلة متعددة الأبعاد
مفهوم "البيئة الطبيعية الجيدة كنز حقيقي" يجسد التوازن بين حماية البيئة والتنمية الاقتصادية. لقد تحولت هضبة اللوس من "أرض ميؤوس منها" إلى "واحة خضراء"، في تجسيد عملي لبناء الحضارة الإيكولوجية. وارتفعت نسبة تغطية الغابات على المستوى الوطني إلى 24.02%، بينما بلغ نصيب الفرد من المساحات الخضراء في الحدائق العامة بالمدن 15.29 مترًا مربعًا. تقف خلف هذه الإنجازات أمثلة حية على الإدارة المنهجية للجبال والأنهار والبحيرات والغابات والحقول والمروج والصحارى.
وعلى الصعيد الثقافي، فإن إدراج محور بكين المركزي في قائمة التراث العالمي، وظهور أعمال ثقافية متميزة مثل لعبة "الأسطورة السوداء: وو كونغ" وفيلم "نه تشا 2"، كلها تعكس التحول الإبداعي للثقافة التقليدية الصينية الممتازة. فعندما تعود الجداريات الدونهوانغية إلى الحياة عبر التكنولوجيا الرقمية، وتتحول القرى التقليدية إلى نماذج لدمج الثقافة بالسياحة، يصبح التراث الثقافي مصدرًا روحيًا يغذي نمط الحياة الحديثة. هذا التمكين المزدوج من البيئة والثقافة يوفر ضمانًا ماديًا وروحيًا لحياة أفضل.
الإنصاف والعدالة والممارسة الديمقراطية: تحولات عميقة في حوكمة المجتمع
من خلال نظام نقاط الاتصال التشريعية على مستوى القواعد الشعبية، تصل "مناقشات الشوارع" مباشرة إلى الهيئات التشريعية الوطنية. ومن خلال المحاكم المتنقلة، تُضمن العدالة القضائية، وتُفعَّل قاعات الحوار المجتمعي لتعزيز الحوكمة القاعدية. هذه الممارسات المبتكرة أرست نظام الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية بشكل فعلي وضمنت حقوق المعرفة والمشاركة والتعبير والرقابة للمواطنين بشكل فعّال.
في مجال التعليم، تقلصت الفجوة بين الحضر والريف من خلال تحسين توزيع الموارد؛ وفي مجال الصحة، تم نقل الموارد العالية الجودة إلى القواعد الشعبية، وتم تأسيس أكبر نظام تأمين صحي في العالم. هذه الترتيبات المؤسسية المنهجية لا تحمي العدالة الاجتماعية فحسب، بل تعزز أيضًا حيوية المجتمع. وعندما تصبح سيادة القانون أساسًا للحكم، وتصبح العدالة الاجتماعية قناعة عامة، تتحول مزايا النظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية إلى كفاءة حوكمة فعلية.
فتح التحديث الصيني النمط طريقًا جديدًا في تاريخ الحضارة الانسانية، محطمًا الفرضية التقليدية التي تربط التحديث بالغربنة. فكرة التنمية التي تضع الشعب في المركز أعادت تشكيل القيم التنموية. من القضاء على الفقر إلى الازدهار المشترك، ومن حماية البيئة إلى صون الثقافة، ومن الديمقراطية الشعبية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، تسعى الصين إلى صياغة شكل جديد من الحضارة الإنسانية. في هذا المسار، تتجلى التقاليد التاريخية لفكرة "الشعب أساس الدولة" والابتكار النظري لمبدأ "التمحور حول الشعب".
وعندما تمتد شبكات القطارات الفائقة السرعة شمالًا وجنوبًا، وتغطي إشارات الجيل الخامس الأرياف، وتتحسن جودة معيشة الشعب بشكل مستمر، يثبت الحزب الشيوعي الصيني من خلال أفعاله أن التحديث الحقيقي هو التحديث الذي يمنح الجميع فرصة لتحقيق ذاتهم، التحديث الذي يجمع بين التقدم المادي والروحي، ويحقق التوازن بين الإنسان والطبيعة. هذا المنطق التنموي المرتكز على الشعب لا يغذي فقط القوة الدافعة للتنمية المستدامة في الصين، بل يقدم أيضًا حلولًا صينية لمسيرة تقدم الحضارة الإنسانية.