مفهوم الإعلام بين الواقع و الواجب


بقلم حاتم عامر
يعتقد الكثيرون أن الإعلام مجرد نقل للأخبار فهو فى تصورهم بث خبر أو نشره عبر التلفاز أو من خلال صحيفة ولكن الإعلام أخطر من ذلك فهو مسئول عن توجيه الأمم والشعوب وتشكيل الرأي العام إيجابا وسلبا ويمكن أن نبرهن على صحة هذا الرأي فى بلدنا الحبيب مصر إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 عندما كانت الساحة الإعلامية مثارا لأراء مختلفة واتجاهات متباينة تتجاذب وتتنافر يحاول كل قبيل أن يلف حوله أكبر عدد من المؤيدين والمناصرين
الإعلام وبناء المعتقدات :
وتكمن خطورة الإعلام أنه قد يرسخ لمعتقدات وركائز ثابتة فى وجدان وضمائر الناس وخاصة الإعلام الموجه
أنواع الإعلام من حيث الشكل :
تتنوع الصور الإعلامية بين الصحافة والإذاعة والتلفاز والسينما والمسرح والإعلام الرقمي ( وسائل التواصل الاجتماعي)
الاتجاهات الإعلامية من حيث المضمون :
1- إعلام مجرد يتناول الحقائق مجردة دون أن يحاول الانحياز أو تغليب كفة على كفة أخرى
2- إعلام منحاز يحاول أن ينتصر لرأى على حساب رأى آخر
3- إعلام هدام هدفه الأوحد هو هدم الانجازات والتقليل من شأن النجاحات
4- إعلام يلجأ لفرض الرأي بالقوة دون تبرير أو تعليل لوجهة نظره
5- إعلام خبيث خفى يهدف إلى تثبيت التطرف والفكر المغلوط الذى يصعب الفكاك منه أو التخلي عنه ولعل أهم الفئات المستهدفة لهذا النوع من الإعلام الأطفال والشباب
مثال:
يقوم الفكر الصهيوني على نشر تطرفه ضد العرب من خلال برامج الكرتون الموجهة للأطفال التى تصور اليهودي مثالا للطيبة والبراءة والتسامح والعربي فى صورة الشرير الذى يحاول الانتقام من هذا اليهودي فينشأ الأطفال على الكراهية والحقد
** والآن بعد هذا التمهيد أستعرض الصور الإعلامية بين الواقع الذى نعيشه وبين ما كان ينبغي أن تكون عليه حتى تؤدى دورها فى رقى المجتمع ونهضته وتكوين الرأي العام المستنير الذى يمكنه أن يعبر عن أمال أمته وطموحاتها وينقد الحاضر بشكل محايد ومتزن
الصحافة:
عرفت مصر الصحافة منذ وقت مبكر وكانت الصحافة الورقية بالطبع هى المتسيدة ومع تطور الصحافة كان تأثيرها شديدا إذ كانت نافذة الفكر للمصريين ولا سيما مع ارتباطها برواد التنوير وأعلام الفكر مثل ( أحمد لطفى السيد- العقاد – طه حسين – الرافعي- المازني وغيرهم كثير) بل تعدى دور الصحافة الإطار الفكري لتكون مدرسة وطنية تقوم بدور قومي فى سبيل الاستقلال والحرية وخير مثال على ذلك صحيفة ( اللواء ) التى أنشأها الزعيم مصطفى كامل حتى فى أثناء حرب أكتوبر المجيدة أدت الصحافة مهمة عظيمة فى الخداع الاستراتيجي للعدو وقد بدأت سطوة الصحافة الورقية فى التلاشي قليلا بسبب غلبة الصحافة الإلكترونية ومن هنا كانت كثير من الصحف مضطرة أن تتجه إتجاها جديدا تحاول من خلاله جذب جمهور من القراء تستهويهم أشكال محددة فى الصحافة ففقدت بذلك الصحافة الورقية زهوها وتأثيرها التاريخي
الإذاعة المسموعة :
ظلت الإذاعة المصرية عريقة فى مصر عراقة التاريخ الذى سارت فى ركابه فكانت دائما الأقرب والأحب إلى قلوب المصريين ببرامجها وتنوعها الثقافي والفني وخطابها الموجه لكل فئات وطبقات المجتمع فكانت بالفعل تمثل وعاء للثقافة والتغيير لكل الأعمار
– فمن ينسى برامج ظلت محفورة فى أذهان من عاصرها وتأثر بها مثل ( أبلة فضيلة _ كلمتين وبس للفنان فؤاد المهندس – قال الفيلسوف- والقيثارة الشيخ محمد رفعت ) وعلى الرغم من المنافسة الشديدة بين الإذاعة وسواها من المنصات الإعلامية الأخرى إلا أنها ما تزال تحتفظ ببريقها وتأثيرها حتى وإن كان البريق محصورا بين من تجاوز الخمسين من العمروهم ليسوا بالقليل
التلفاز:
كان التفكير فى إنشاء مبنى التليفزيون مرتبطا باتجاه قومي مختلطا بالحس الوطني الذى واكب ثورة الثالث والعشرين من يوليو واستمر هذا الدور حتى بدأ عصر السماوات المفتوحة وبدأت القنوات الفضائية فى الظهور حيث تواجد الانفلات القيمي فى كثير من هذه القنوات التى غابت عنها عين الرقيب ولا يمكن وقف سيلها المتدفق عند أعتاب بيت من البيوت فشاهدنا برامج إلى التفاهة أقرب –انحلال – خدش للحياء- دعوات مباشرة وغير مباشرة وغير مباشرة لترويج فكرة العنف تحت مسمى العمل الدرامي فكانت الطامة الكبرى إذ أصبح شبابنا وأطفالنا مقلدين أيما تقليد لنجوم أصبحوا يمثلون لهم المثل والقدوة فرأينا ما لا يرضى ولا يسر بل يملأ القلوب بالحزن والأسى على براعم هم أمل الوطن ومستقبله فباتوا بأخلاقهم التى اكتسبوها عثرة فى هذه الامة التى كانت مهدا للأخلاق
السينما :
كانت السينما المصرية من مبتداها ذاكرة الأمة جسدت على شاشاتها أفراح الأمة وأتراحها فقدت الدراما الأدب الروائي لكبار كتاب مصر ولكن مع حدوث نكسة يونيو 1967 حدثت الانتكاسة لهذا الفن فأصبحت السينما كأنها محاكاة لحالة الضياع التى عاشها المصريون فى هذه الفترة فلم نعد نرى فكرة أو غاية أو مضمون يعبر عنه من يقوم بالإخراج أو المنتج السينمائي إلا فى النذر اليسسير فانتشرت أفلام المقاولات التى أضرت المجتمع وسلبته الذوق والفكر وهنا يجب أن يكون للمجتمع وقفة يواجه بها هذا المد غير المحمودة آثاره
وفى هذا الصدد مثال حدث بالفعل قبل ثورة 23 يوليو عندما غنى الفنان فريد الأطرش فى أحد أفلامه أغنية ( يا عوازل فلفلوا) فإذ بمجلس الوزراء برئاسة مصطفى النحاس باشا يناقش فى أول اجتماع له بعد عرض الفيلم كيف يسمح لهذه الأغنية بالوجود لإفسادها الذوق العام للمصريين ويقرر وقف إذاعة الأغنية فى الإذاعة
وسائل التواصل الاجتماعي :
بدأت شبكات التواصل الاجتماعي تمثل جسرا للتواصل والانفتاح الحضاري بين الأمم وبين أبناء البلد الواحد وغزت العقول بما لها من إيجابيات وما عليها من سلبيات فتمكنت أن تحول العالم بحق إلى قرية كونية واحدة
الآثار الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي:
1- تبادل الأفكار والرؤى بين الناس من مختلف الطبقات والأطياف
2- أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي فى ظل التقدم التكنولوجي تمثل وسيلة جديدة للتعلم غير المباشر مع اختلاف الزمان والمكان
3- أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي فرصة الحصول على المعارف والعلوم والانفتاح الثقافي على مختلف الشعوب والحضارات
4- تعد وسائل التواصل الاجتماعي أداة لتغيير أنماط الحياة فى كثير من الجوانب الخاصة بعادات الناس وتقاليدهم
الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي:
1-وسائل التواصل أدت فى كثير من صورها التى تتسم بعدم وجود قيود أو حدود إلى إحداث خطورة حقيقية على منظومة القيم الأخلاقية والسلوكية والدينية لدى الشباب
2- يندس المخربون والمتطرفون من خلال من خلال هذه الوسائل للتأثير على الشباب ببعض الأفكار والقيم والمعتقدات المخالفة لقيمنا وعقيدتنا
3- مروجو الشائعات يجدون فى وسائل التواصل تربة خصبة لنشر الشائعات التى تحدث بلبلة للناس
4يستخدم بعض الناس معدومي الضمائر والأخلاق وسائل التواصل لهتك ستر الناس والإضرار بهم
5- أكد علماء النفس أن الاستغراق لوقت طويل أمام وسائل التواصل أدى إلى إحداث اضطرابات نفسية لدى الشباب
*** وأخيرا يجب أن يعود الإعلام إلى ممارسة دوره الحقيقى فى نهضة المجتمع – إلى التغيير الإيجابي – إلى نشر الأخلاق والمثل – إلى تثبيت دعائم المجتمع والارتقاء به فيصبح بالتالي أداة فاعلة محركة للأداء لا معول هدم وتراجع