«تحليل»..
«الشعراوي» إمام الدعاة.. الذي فسَر القرآن وقال للسادات «إختشي»
أحمد واضحمحمد متولى الشعراوي ، علم بارز من أعلام الدعوة الإسلامية، وإمام فرض نفسه، وحفر لها في ذاكرة التاريخ مكاناً بارزاً كواحد من كبار المفسرين، وكصاحب أول تفسير شفوي كامل للقرآن الكريم، وأول من قدم علم الرازي والطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم سهلاً ميسوراً تتسابق إلى سماعه العوام قبل العلماء، والعلماء قبل العوام.
يُعد من أكابر العلماء الذين فسروا القرآن الكريم في العصر الحديث، واتفق الكثيرين على كونه إمام هذا العصر حيث لُقب بإمام الدعاة لقدرته على تفسير أي مسألة دينية بمنتهى السهولة والبساطة، علاوة على مجهوداته في مجال الدعوة الإسلامية، وقد كان تركيزه على النقاط الإيمانية في تفسيره ما جعله يقترب من قلوب الناس، وبخاصة وأن أسلوبه يناسب جميع المستويات والثقافات.. فكان أشهر من فسر القرآن في عصرنا.
ويتجمع حوله المصريين أمام التلفاز لينتظروا أحاديثه كل جمعة، وقبل أذان المغرب في ليالي رمضان.. هو الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، والذي بدا البعض من الأقزام يحاولون التطاول عليه للنيل من قدره أمام محبيه، فكان لنا هذا التحليل الذي نكتبه في رحلة غوص بأعماق حياة الإمام المجدد محمد متولي الشعراوي، مستندين إلى قواعد ومناهج عليمة في طرح الشخصية العامة والتاريخية..
مولده وأسرته
ولد محمد متولي الشعراوي عام 1911، بقرية "دقادوس" مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بمصر لأسرة ريفية بسيطة يمتد نسبها إلى الإمام علي زين العابدين بن الحسين بين علي سبط الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
أراد والده إلحاقه بالأزهر الشريف بالقاهرة، وكان الشيخ الشعراوي يود أن يبقى مع إخوته لزراعة الأرض، ولكن إصرار الوالد دفعه لاصطحابه إلى القاهرة، لكنه اشترط على والده أن يشتري له كميات من أمهات كتب العلم كنوع من التعجيز حتى يرضى والده بعودته إلى القرية، إلا أن والده فطن إلى تلك الحيلة واشترى له كل ما طلب.
تزوج الشيخ الشعراوي وهو في الثانوية بناءً على رغبة والده الذي اختار له زوجته، ووافق الشيخ على اختياره، وكان اختيارًا طيبًا لم يتعبه في حياته، وأنجب الشعراوي ثلاثة أولاد وبنتين، هم "سامي، وعبد الرحيم، وأحمد"، والبنتان "فاطمة، وصالحة".
كان الشيخ يرى أن أول عوامل نجاح الزواج هو الاختيار والقبول من الطرفين، وعن تربية أولاده يقول: "أهم شيء في التربية هو القدوة، فإن وجدت القدوة الصالحة سيأخذها الطفل تقليدًا، وأية حركة تنم عن سلوك سئ يمكن أن تهدم الكثير".
تعليمه
حفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره.
التحق عام 1922 بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، وأظهر نبوغًا منذ الصغر في حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم، ودخل المعهد الثانوي الأزهري في سن صغير
التحق بكلية اللغة العربية عام 1937
انشغل بالحركة الوطنية والحركة الأزهرية، في ثورة 1919 التي اندلعت من الأزهر الشريف، وخرجت منه المنشورات التي تعبر عن سخط المصريين ضد الإنجليز المحتلين
خرج الشعراوي محمولًا على الأعناق يهتف وسط جموع الشعب "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"، قبل أن يتوجه إلى أروقة الأزهر ليخطب في الجموع ويحثهم على محاربة الاحتلال ، الأمر الذي عرضه للاعتقال أكثر من مرة.
تدرج في المناصب بداية من عمله مدرسًا بمعهد طنطا الأزهري ثم مدرساً بكلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
عين مديرًا للدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف، ومن ثم مديرًا لمكتب الأمام الأكبر شيخ الأزهر حسن مأمون.
واختير الشعراوي رئيسًا لبعثة الأزهر بالجزائر.
برز الشيخ الشعراوي كداعية إسلامي عام 1973، عندما قدمه الإذاعي أحمد فراج في برنامجه الإذاعي "نور على نور" الذي استمر عشر سنوات، فكان الضيف الدائم فيه هو الشيخ الشعراوي مفسرًا للقرآن الكريم.
أُختير وزير للأوقاف وعضو بمجمع البحوث الإسلامية ومجلس الشورى، عام 1976، ثم أُعيد اختياره عام 1977، لكنه في عام 1978 قدم استقالته من الوزارة وتفرغ للدعوة وتفسير القرآن الكريم.
مفتاح الشخصية
داعية أوصل تفسير القرآن الكريم إلى قاعدة عريضة وواسعة من الناس بحب وسهولة.
معايير تحديد الانجاز
التحديات التي واجهها
خرج من أزهريته التقليدية إلى الجماهير دون أن يترك أزهريته فرفض الشعراوي عرض رئاسة مشيخة الأزهر، علاوة على العديد من المناصب في الدول الإسلامية للتفرغ إلى الدعوة الإسلامية وتفسير القرآن الكريم.
كان لا يخاف في الحق لومة لائم، فلم يطرق في يوم أبواب السلطان.
كان الشعراوي هدفًا لكافة الأنظمة السياسية، تحاول استقطابه ليكون بوقًا يتحدث باسهما، يبرر لها ما تفعله، استنادًا إلى شعبيته الطاغية، وموقعه في قلوب محبيه، فكان دائم الرفض لأي جاه.
عاش مبتعدًا عن السياسة وما بها من خداع ودسائس، فلم ينجر إلى صراعات السياسة رغم أنه عاش عواصف التغيير في مصر وواجه كل المتغيرات ولم ينضم إلى أي معسكر فلم يدخل أي صراع سياسي يجعله يغلق الأبواب أمام هدفه في إيصال الدعوة للناس.
رفض تولي المناصب القيادية خوفًا على دينه وفتنة الحياة .. وآثر الوعظ والتفسير
عاش حياة دينية حافلة بالإنجازات فقط لابتغاء رضى المولى عزل وجل وليس لمكاسب دنيوية.
المودلز الأمريكي.. أول أزهري يستخدم الميديا بتقنيات عالمية ؟
حذر الشيخ الشعراوي الرئيس المخلوع حسنى مبارك، بعد حادثة الاغتيال التي تعرض لها في مدينة أديس أبابا في أثيوبيا، قائلا كلمته الشهير: "إذا كنت قدرنا فليُوفقك الله وإذا كنا قدرك فليُعنك الله على أن تتحمل".. ودعاه لتطبيق شرع الله في الحكم".
"إختشي"
روى الدكتور على جمعة قصة عن الشيخ فقال " حضر الشيخ الشعراوي فى أحد الأفراح، التى حضرها الرئيس السادات، فىعهد وزارة ممدوح سالم، فكان يحيي الحفل راقصة، فقام الشيخ الشعراوي بتعديل اتجاه الكرسي الذى كان يجلس عليه وأعطى الراقصة ظهره، حتى لا يراها".
عندما رآه الرئيس السادات بعث له شخص يدعى "حافظ" قال له "الريس بيقولك اتعدل"، فأجابه الشعراوي، قائلا: "قول للرئيس مين فينا اللي يتعدل، أنا اللى جبتوني فى حفل فيه راقصة.. يا أخى إختشي".
الواقعة في الدقيقة 12.30
طول عمر النجاح
في الإذاعة والتليفزيون منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي.
جعل مادته العلمية تعيش إلى الآن وتستمر فلا غني عن حلقات تفسيره للقرآن قبل أذان المغرب في رمضان.
اعتبر أول من أصدر قراراً وزارياً بإنشاء أول بنك إسلامي في مصر وهو بنك فيصل حيث أن هذا من اختصاصات وزير الاقتصاد أو المالية (د. حامد السايح في هذه الفترة)، الذي فوضه، ووافقه مجلس الشعب على ذلك.
اهتم بالجمهور وتبسيط المعلومات لكي تصل إليه بسهولة في شرح خواطره لتفسير القرآن الكريم.
بدأ الشيخ الشعراوي تفسيره على شاشات التلفاز قبل سنة 1980م بمقدمة حول التفسير ثم شرع في تفسير سورة الفاتحة وانتهى عند أواخر سورة الممتحنة وأوائل سورة الصف، وحال وفاته دون أن يفسر القرآن الكريم كاملاً.
"إن لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل"، مبدأ كان يعيش عليه الشيخ الشعراوي.
حياته الحافلة بالعلم والدين سطرها التاريخ بأحرف من نور.
اعتبر الإمام أن قضية المرأة من أكثر القضايا التي أعطاها الإسلام اهتمامًا، معتبرًا أن المرأة في ظل الإسلام نالت من الحقوق ما لم تناله في كافة العصور السابقة.
وطالب الإمام بخروج المرأة لسوق العمل، طالما لن يمنعها ذلك الدور من أداء مهامها الأساسية في المنزل.
ألف العديد من الكتب الدينية وأعظمها تفسير الشعراوي للقرآن الكريم، ومن هذه المؤلفات: الإسراء والمعراج، الإسلام والفكر المعاصر، الإسلام والمرأة، عقيدة ومنهج، الإنسان الكامل محمد صلى الله عليه وسلم، الأحاديث القدسية.
حاز الشعراوي علي العديد من الجوائز والأوسمة، منها وسام الإستحقاق من الدرجة الأولي منح لبلوغه سن التقاعد وتفرغه للدعوة الإسلامية الذي منحه إياه الرئيس السادات، ورشح لنيل جائزة الملك فيصل العالمية في مجال خدمة الدعوة الإسلامية، وحصل على جائزة الدولة التقديرية وجائزة دبي الدولية لخدمة القرآن الكريم .
تفاعل بالملايين
شخصية شعبية وليس نخبوية فلم يكن يجالس صفوة القوم إلا لإيصال دعوته الإسلامية.
خدم الناس خارج نطاق عمله والناس تعشق من يخدمها.
يوزع الصدقات على الملايين فللشيخ، حتي الآن جمعية خيرية لخدمة الناس في السيدة نفيسة يديرها اولاده من بعد وفاته.
شيد العديد من المشروعات في مسقط رأسه، بلغت قيمتها ما يقرب من 14 مليون جنيه خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات، ورفض الإمام إطلاق اسمه على أي من تلك المشروعات، مخالفًا رغبة أبناء قريته في تخليد ذكراه، بقوله :"إن من يفعل ذلك من أجله هو الأقدر على تخليد أثره ورفع ذكره مهما انقضت السنوات أو طال الغياب".
عاش مع الشعب في فندق بجوار الحسين ترك الأماكن الراقية في الزمالك ومصر الجديدة.
كيف نجح
لم يعمل لحياته وركز على الناس.
فهم احتياجات الناس وكيف يفكرون.
استجاب لتعليمات مستشاره الإعلامي أحمد فراج وكأنه تلميذًا ولم يتعالى عليه.
حول المادة العلمية الثقيلة في الزمخشري في الكشاف والبحر العظيم للرازي البيضاوي وجوهرة التفسير وطيخها وقدمها مادة شعبية لتصل إلى ملايين الناس.
دي إن آية الشخصية
لغة الجسد واللغة العامية لإيصال المعلومات للناس بسهولة.
وفاته
توفى الشيخ متولي الشعراوي بعد رحلة طويلة من المرض عن عمر يناهز الـ 87 عاماً، ودفن بقريته دقادوس بمحافظة الدقهلية، بعد رحلة حافلة بالعطاء في الدعوة إلى الدين الإسلامي.
وبحسب ما روى أحد أبنائه، أنه كان على فراشه يحتضر، وابنه يلقنه الشهادة .. فيقول الشيخ الشعراوي : أشهد أن لا اله إلا الله.. ثم يلتفت بوجهه و يشير إلى الحائط بإصبعه ويقول وأشهد أنك رسول الله
.
كلمات مأثورة للشيخ
عالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد
"لا تعبدوا الله ليعطي بل اعبدوه ليرضى فإن رضى أدهشكم بعطائه، فعطاء الله سبحانه وتعالى الحمد، ومنعه العطاء يستوجب الحمد"
كلمته الخالدة :"أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة، وألا يصل أهل الدين إلى السياسة".
قال عنه السادات " أسلوب الشعراوي في الدعوة بالبسيط والدقيق في توصيل المعاني والذي يعرف باسم "السهل الممتنع"، فمن الصعب تكرار مسيرة الشعراوي مرة أخرى فهو نسيج واحد".
نقل مقام إبراهيم
عام 1954 كانت هناك فكرة مطروحة لنقل مقام إبراهيم من مكانه، والرجوع به إلى الوراء حتى يفسحوا المطاف الذي كان قد ضاق بالطائفين ويعيق حركة الطواف، وكان قد تحدد أحد الأيام ليقوم الملك سعود بنقل المقام.
وفي ذلك الوقت كان الشيخ الشعراوي يعمل أستاذاً بكلية الشريعة في مكة المكرمة وسمع عن ذلك واعتبر هذا الأمر مخالفاً للشريعة فبدأ بالتحرك واتصل ببعض العلماء السعوديين والمصريين في البعثة لكنهم أبلغوه أن الموضوع انتهى وأن المبنى الجديد قد أقيم، فقام بإرسال برقية من خمس صفحات إلى الملك سعود، عرض فيها المسألة من الناحية الفقهية والتاريخية، واستدل الشيخ في حجته بأن الذين احتجوا بفعل الرسول جانبهم الصواب، لأنه رسول ومشرع وله ما ليس لغيره وله أن يعمل الجديد غير المسبوق، واستدل أيضاً بموقف عمر بن الخطاب الذي لم يغير موقع المقام بعد تحركه بسبب طوفان حدث في عهده وأعاده إلى مكانه في عهد الرسول.
وبعد أن وصلت البرقية إلى الملك سعود، جمع العلماء وطلب منهم دراسة برقية الشعراوي، فوافقوا على كل ما جاء في البرقية، فأصدر الملك قراراً بعدم نقل المقام، وأمر الملك بدراسة مقترحات الشعراوي لتوسعة المطاف، حيث اقترح الشيخ أن يوضع الحجر في قبة صغيرة من الزجاج غير القابل للكسر، بدلاً من المقام القديم الذي كان عبارة عن بناء كبير يضيق على الطائفين، ذاك كان قدر الإمام لدى ملوك العالم وبين قلوب الملايين من أمة الإسلام.