ما بين انتفاضة إيران واحتجاجات البحرين.. زعماء يصنعون الفارق
رحاب الدين الهواري
ربما يمكن القول أن مملكة البحرين وجهت صفعة لإيران، خلال الأسبوعين الماضيين، دون حتى أن يصدر تصريح دبلوماسي واحد من المنامة ضد طهران، ودون أن تتورط في تأييد أو دعم المظاهرات في الدولة الفارسية، وهو ما يمكن فهمه من خلال النظر إلى طريقة تعاطي الحكومة البحرينية مع احتجاجات فبراير 2011، المدفوعة والممولة من الخارج، مقارنة بتعاطي طهران مع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد خلال الأسبوعين الماضيين، التي قام بها طلاب الجامعات، البريئة أهدافهم، وليس السياسيين المدفوعين من إيران، وذلك على النحو التالي:
أولا- في حين أطلقت الجمهورية الإسلامية في إيران لفظ مثيري الشغب على المحتجين، متهمة إياهم بالارتباط بالخارج –تحديدا أمريكا وإسرائيل- ساعية إلى القضاء عليهم والتعامل معهم بعنف منذ اليوم الأول، دون أن تعترف بأي حق مشروع للتظاهر، بحسب القوانين والمواثيق الدولية التي تكفل حق التظاهر السلمي، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك حين أطلقت لفظ "الأعداء" على الطلاب المتظاهرين؛ تفهمت الحكومة البحرينية، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء، احتجاجات فبراير 2011، واعترفت صراحة بحق المتظاهرين في التظاهر السلمي منذ اليوم الأول للاحتجاجات، بل وأيدت بعض المطالب المشروعة، مستخدمة لفظ المتظاهرين وليس الأعداء أو مثيري الشغب، ودون أن تتهم أحد من أبناء وطنها بالارتباط بالخارج، كمبرر للاستخدام المفرط للقوة، كما فعلت إيران، رغم ما ثبت لاحقا بتورط الدولة الفارسية في دعم هذه الاحتجاجات في 2011.
ثانيا- لجأت إيران منذ اليوم الأول للاحتجاجات، إلى قمعها باستخدام القوة المفرطة، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى، ربما في أول أيام الاحتجاجات، التي امتدت لتعم 25 مدينة في مختلف أنحاء البلاد في يوم واحد، ما يدل على أنها "ثورة" وليست "احتجاجات" لتحقيق غرض ما، فضلا عن اعتقال 90 طالبا من منازلهم، تبين أنهم لم يشاركوا أصلا في الاحتجاجات، وأخفت 10 منهم قسريا، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية bbc، في حين التزمت البحرين بضبط النفس، لدرجة أن المتظاهرين احتلوا دوار الفاروق بأكمله لأيام ومنعوا الجهاز المصرفي والبنوك من العمل، مستهدفين تعطيل مصالح المواطنين وتكدير السلم العام، وفي المقابل أيضا كانت الاحتجاجات مقصورة على منطقة دوار الفاروق فقط وليس في 25 مدينة، كما هو الحال في إيران.
ثالثا- بدأت احتجاجات إيران رافعة شعارات اقتصادية فقط، موجهة ضد الغلاء والتدهور الاقتصادي والفساد الحكومي والسياسيات الافتصادية الفاشلة لروحاني، في حين بدأت المظاهرات في البحرين بشعارات سياسية منذ يومها الأول، معتمدة على الشعار الذي امتد من المحيط للخليج وهو "الشعب يريد إسقاط النظام" مستغلة التركيز الإعلامي للشعار، رغم أنه كان السبب في حالة الفوضى التي شهدتها العديد من الدول في المنطقة، مثل ليبيا واليمن، اللتين لا زالتا تعانيان حتى اليوم من هذا الشعار الذي دمر كل شئ، ورغم ذلك عمدت طهران إلى إسكات الصوت المنادي بالإصلاحات الاقتصادية، فقط، في حين استجابت المنامة واعترفت من تلقاء نفسها، بالمطالب الاقتصادية كحق أصيل للشعوب.
رابعا- لم تبادر الجمهورية الإيرانية الإسلامية، إلى أي اجراءات تلطيفية لاحتواء الأزمة، سواء بفرض قرارات أو سن قوانين اقتصادية، وإنما اقتصر الأمر منها على قمع أي مطالب حتى لو كانت شرعية، بينما في البحرين اختلف الوضع كثيرا، فمنذ بدء المظاهرات وقد أصدرت الحكومة، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء، العديد من الإجراءات، التي كان أولها صرف ألف دينار بحريني لكل أسرة بمناسبة الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني، والإعلان عن مشاريع خدماتية بمختلف المناطق، وإسقاط 25% من القروض الإسكانية عن المواطنين، وإطلاق خطة لتوظيف 20 ألف بحريني، في موازاة خطط أخرى لبناء 50 ألف مسكن في البلاد بتكلفة 5.3 مليار دولار، بل والأهم من ذلك كله هو الدعوة إلى حوار التوافق الوطني بشأن الوضع الأمثل للمملكة.
خامسا- فيما يخص الخارج، وضح أن إيران ليس لديها الرغبة في أن يتهمها أحد من الخارج، فقد أصمت أذنيها عن أي دعاوى خارجية في التحقيق فيما يحدث في البلاد، مكتفية بتوجيه شعارات المؤامرة للخارج، بينما كانت البحرين من الشجاعة بمكان لتعلن عن تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق في أحداث فبراير ومارس 2011 ، من أشخاص ذوي سمعة عالمية وعلى دراية واسعة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، ممن ليس لهم دور في الحكومة وبعيدون عن المجال السياسي الداخلي، في رسالة وجهتها المملكة للعالم كله بأنها ليس لديها ما تخفيه أو تخاف من إظهاره، وليس كما فعلت إيران التي لم تسمح لأحد حتى بأن يتهمها أو يتحدث عنها، كما لو كانت تخشى افتضاح أمرها.
سادسا- ولعل الأخطر من بين كل ما سبق، هو أن إيران لجأت إلى شق وحدة الصف الوطني الداخلي، على خلفية هذه الاحتجاجات، من خلال تسيير مظاهرات موالية لنظام الملالي، لترسيخ الانقسام المجتمعي بين أطياف المجتمع، دون أن تدرك أو يعنيها خطورة ذلك الأمر، وهو الأمر الذي لم تتورط فيه البحرين، رغم قدرتها على ذلك، فمن المعروف للمتابعين لاحتجاجات البحرين، وقتها، هو أنها كانت حركة ليست واسعة الانتشار، وقامت بها جمعية الوفاق، التي ثبت لاحقا أن المجتمع لا يرغبها، بل ولفظها عقب ذلك في أول انتخابات بلدية شهدتها البحرين، وهو ما يؤكد على رقي وتحضر الحكومة البحرينية، التي لم تغامر بترسيخ الانقسام المجتمعي كما فعلت إيران.
من هنا ونتيجة للمقارنة بين الحالتين، يمكن القول أن البحرين اجتازت الأزمة بنجاح، بل وخرجت منها أقوى من ذي قبل، بفضل حكمة وحنكة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء، الذي قاد الأزمة باقتدار، فكانت النتيجة أن البحرين تقف اليوم دولة لها دورها في المنطقة، مستقرة الأوضاع داخليا، لديها جميع مقومات الدولة الناجحة، في حين تقف إيران على حافة الهاوية، فحتى لو استطاعت قمع الاحتجاجات، كما فعلت في 2009، فإن النار ستتولد مجددا تحت الرماد، منذرة بانتهاء حقبة الملالي، الذين عانت المنطقة بسببهم أشد العناء، ولكن يبدو أن الشعب الإيراني أصبح له رأي آخر في ضرورة إزاحتهم.