قطاع عريض يحوى العديد من الصناعات، ويحتوى بصناعه وعماله على مهارة لا مثيل لها، ضارب تاريخها فى الأصالة حداً بعيداً من الإتقان والتميز والمنافسة لأفضل الدول.
لكن هيهات.. فلم تسلم «صناعة الأثاث» من محاولات الإبتزار الحكومى، والإهمال فى التطوير والتنمية الذى وقف حائلاً لزيادة الصادرات، وفتح آفاق جديدة لأسواق تركناها غنيمة لغيرنا، وتقاعسنا عن أداء دور وطنى مخلص يصل بها إلى درجة من المنافسة المعتبرة، وتعظيم دور «المنتج الوطنى» الذى تأرجح فى السوق العالمى بلا هوية فما حصل على صك الاعتماد بين أقرانه كالتركى، والإيطالى.. الخ.
صناعة الأثاث فى مصر ليست حديثة العهد، ولا صناعة دخلية، لكنها صناعة عرفها المصريون منذ فجر التاريخ، وقد شهدت جدران المعابد قصص رائعة تسطر ذلك، فمن صناعة الأثاث بالأخشاب، إلى استخدام المعادن، وكذلك استخدام الأبنوس والعاج، وتقر النماذج التى تركوها مهارة لا توصف، وفنون لا تقارن، وأسوق إليكم نموذجاً أبهر العالم كله .. سرير توت عنخ آمون، تلك التحفة الفنية تقول الكثير والكثير، فالسرير مصنوع من الأبنوس، ومغطى برقائق الذهب وسطحه من الطلاء المنسوج .
وصنعت أرجل السرير فى هيئة أرجل الأسد، وهي تستقر على قاعدة أسطوانية، وينقسم الظهر الأوسط إلى ثلاثة أقسام، ويقف المعبود بس في كل قسم؛ مستقرا على العلامة الهيروغليفية للمعبودة "تاورت"، لكي تحمي الملك من الأرواح الشريرة أثناء نومه.
ولا أظن أن القائمين على الأمر فى حكومتنا الرشيدة قد قرأوا ، أو سمعوا شيئا عن ذلك من قبل، وإلا ما كان الإطلاع، والإدراك والإيمان بما سبق يؤدى إلى النتائج التى نراها على الأرض فيما وصلت إليه هذه الصناعة من تدهور بيِن، وحرص صناعها على أن لا يورث أهلها أبناءهم تلك الصناعة، على عكس ما كان عليه الحال قديماً.
فالصناعة وصناعها يعانون تراجعا بلغ من الرداءة مبلغا، قلم تعد صناعة الأثاث ضمن اهتمام الدولة ورعايتها، وأصبحت موادها الخام التى يتم استيرادها تخضع لهوى مجموعة قليلة كتب لهم أن يحكوا ويتحكموا فى الصناعة وأهلها، دون مراقب أو رادع.
والمحصلة النهائية لا رقابة هنا .. ولا رحمة هناك، وما بين ذلك وذاك، تجد المعاناة لصناع تركوا المهنة، وأغلقوا «ورشهم»، ليبحثوا عن عمل آخر يقتاتون منه رزق أبناءهم، وواقعة أسعار الأبلاكاش وأزمتها الطاحنة فى دمياط خير دليل.
فقد أصبح تعويم الجنيه، وارتفاع أسعار الدولار مسوغاً للاستغلال، فيصل سعر «لوح الأبلاكاش» إلى 105 جنيه بعد أن كان 45 جنيه، وتثبت المستندات التى نشرت فى العديد من الصحف.. أن السعر فى بلد المنشأ 67 جنيه، فبأى عقل تفهمون.
عالم الصناع فى مصر يعلمون جيداً، أن ثمة أشخاص معدودين هم من يتحكمون فى أسرار هذه الصناعة، وفى موادها الخام.. لكن حكومتنا الغراء إزاء ذلك تغض الطرف، وتترك الأمر لظرفية رد الفعل، وحينما يقع، يأتى التدخل على استحياء عبر جلسات عرفية على طريقة «كبيرالحارة»، فتجتمع بكبار القوم - المتحكمين - فى محاولة لاسترضاء ليس كريم، وتحصل منهم على خصم غير عادل، ثم يملأون الدنيا ضجيجاً.. بأنه الإنجاز العظيم.
فمن يرحم صناع الأثاث .. وينقذ صناعة الأثاث