الكتابة على لحمٍ يحترق !!
مأمون الشناوى
نصحتني ذات يومٍ بعيد أُستاذتي الدكتورة ( سهير القلماوي ) وأنا اتأهب للإلتحاق بمعهد الإعلام الذي كان يفتح أبوابه لعامه الأول ، والذي ترقى بعدئذٍ فصار كلية الإعلام بجامعة القاهرة ، والذي قوبل برفض شديد من الأهل لمجرد أنه ( معهد ) فحُرمت من حلم حياتي ، نصحتني الدكتورة سهير أن أقرأ ثلاثة أضعاف ما أكتب ، وأن أقرأ فقرة لكيّ أكتب جُملة ، وأقرأ فصلاً لكيّ أكتب صفحة ، وأقرأ كتاباً لكيّ أكتب فصلاً ، وأقرأ ألف كتاب لكيّ أكتب كتاباً واحداً !!.
وأمسكت بنصيحة أستاذتي بيديّ وأسناني ، وأدمنت القراءة دون أن أنشغل بالكتابه كثيراً ، اللهم ماتيسر لي من المقالات المتناثرة وقصائد الشعر التي كنت أرسلها لبعض الصحف السيارة فتنشرها في حينها دون دأب مني على مواظبة ذلك !!.
حتى جاءت ثورة يناير 2011 م فرأيتني مدفوعاً برغبة جامحة للكتابة اليوميّة ، وهو عمل شاق جداً لمن جَرّبه ومارسه ، وكانوا قِلة معدودة في عالم الصحافة والأدب من كِبار كُتاب الأعمدة لديّنا ، وهم معروفون جيّداً لدى القارئ العادي للصُحف ، من أمثال الأساتذة على ومصطفى أمين وأنيس منصور وأحمد بهاء الدين وغيرهم !! .
ولأنني كنت مُطمئناً إلى ما لديّ من احتياطٍ وفير ، وأن البئر عامر ، وأن الشجرة مُحملةٌ بثمار أينعت على مدار عشرات السنين ، فلم أتوجس خيفة ولم أعانِ ، بل وجدت لذة كبيرة في تقديم وجبة شهية طازجة لقارئي العزيز كل صباح ، نتبادل استطعامها معاً ونتذوق مافيها من فكر ورؤية ، وتتلاقح أدمغتنا وثقافاتنا ، ونتفق حيناً ونختلف أحياناً ، مُتغاضياً عن بعض التجاوزات التي تشبه الضربات الحُرة أو الفاولات في كرة القدم ، ولكنها لاترقي إلى ضربات الجزاء أو الاصطدام الذي يستوجب استدعاء سيارة الإسعاف واشهار الكارت الأحمر !! .
اقرأ أيضاً
- عندما كان الحشيش هو الكيف الشعبى
- إفلاس الدول الهزيلة اتي لامحال!!!
- عشق براءتها وكره شيطانتها
- تنافر
- الدكتور مشالي ..بطل حكايتى !
- خط مسطرد
- أنت وحدك تعلم هل كان يستحق الأمر أن تكسر الإشارة
- " الشائعات ودورها فى عرقلة مسيرة التنمية" ندوة بإعلام قنا
- "صيدلة الأزهر» تحصد المركز الثاني عالمياً فى كتابة المقالات العلمية
- فوز "إعلام بني سويف" بالمركز الأول في المهرجان السينمائي للأفلام القصيرة
- انطلاق ماراثون الثانوية العامة ومقتل 8 إرهابيين أبرز مقالات الصحف
- رئيس جامعة بني سويف يستقبل أعضاء مكتب الدعم الفني ومتابعة الأداء لكلية الاعلام
لكنني في الآونة الأخيرة رأيّت أن الأمر قد زاد عن حده ، وأن الخرق اتسع على الراتق كما قال عمنا الجبرتي ، وأنه ليس فقط لا أحد يتغير ، ولا يريد أن يتغير ، وأن الكل متشبث بما يعتقد وغير مُستعد لمراجعتة أو الاستماع إلى مَن هُم أكثر منه ثقافة ورؤية وتجربة ومعايشة للأحداث ، ولكن كل ذلك صار مصحوباً بوقاحة وسفاهة وسفالة وسوقية لاحدود لها ولاسقف لانطلاقها ، وأن الكثيرين يمرون على عنوان المقال أو يعبرونه إلى عدة سطور في بدايته ثم يندفعون في هجوم محموم ومسعور !!.
وبدا المجتمع المصري الآن في حالة استقطاب مرعبة وحادة ، فأنت متهم لامحالة من أي فصيل ، ولا مجال للتعقل والانصاف والحكمة ، وإنما سعيّ للالجهاز على الخصم كأننا في حلبة مصارعة ، النقد لمجرد النقد ، المعارضة لمجرد المعارضة ، التنابز الذي يشبه صراع الديّكة !!.
وبدأت أشعر بتدني الفكر والأسلوب والسلوك مما لم اعتده في حياتي أو أحتمله في هذا العمر ، وصرت أشعر كأنني أكتب على لحمي الذي يحترق ، فاخترت أن أبتعد قليلاً فلربما رأيّت الصورة أوضح ، وبالفعل رأيتها قاتمة شديدة القتامة ، فكم تمزقت أرحام لاختلاف سياسي عابر ، وكم تخاصم الزوجان حد القطيعة لرأي مختلف ، وتضارب الأبناء وشُجت رؤوسهم لاتهام متبادل بالتطبيل أو بالخيانة ، وافترق الأخلاء والأصدقاء وتشرذم الأصحاب ، وبدا الوطن على اتساعه مثل سِم الخياط ، وضاقت النفوس بالنفوس !! .
فهل من سبيلٍ يُخرجنا من هذا النفق المظلم ياسادة ، هل من حلٍّ قبل أن أحمل مِخلاتي وأرحل إلى حيث نصحتني أستاذتي ( سهير القلماوي ) ذات يومٍ بعيد ، بلا رجعة غير آسف ولانادم ، بعد ثمانية وستين عاماً من محاولة التغيير والتنوير ، يعلم الله وحده كم دفعت في سبيلها ، ومازلت أدفع ، فأُريح وأستريح !! .