هناء شلتوت تكتب: أفلاطون والأسرة .. وأشياء أخرى
الأسرة هي أهم حصون المجتمع وسياج مبادئه، والمرأة هي قوام الأسرة ودعامة المجتمع الأساسية، والأسرة في اللغة من الجذر الثلاثي: أسر، بمعنى الشد والربط، فأُسرة الرجل أهله وعشيرته الذين يتقوَّى بهم، وهي كذلك الدرع الحصينة، كما أنها اصطلاح يطلق على الجماعة التي يربطها أمر مشترك، إذ توجد روابط تجمع أفراد الأسرة الواحدة.
ولا شكَّ أن صلاح الأسرة قوامه علاقة سويَّة بين الشريكين أو الزوجين، فدَور المرأة في الأسرة يأتي سواء بسواء مع دور الرجل، بل يتخطَّاه في الأعباء أحيانًا، فإذا كانت المرأة توصف بأنها نصف المجتمع، فهي النصف فعليًّا، ولكنها صانعة النصف الآخر بلا شك، وهو الرجل.
ويقع على عاتق الرجل والمرأة كليهما مسئولية تكوين أسرة صالحة، فيتحملان معًا تربية الأبناء وتعليمهم وتنشئتهم في بيئة سوية، والمرأة في الإسلام مماثلة للرجل في القَدر والمكانة، وفى ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ"، رواه أحمد والترمذي وأبو داود، وقال ابن الأثير في النهاية: شقائق الرجال، أي نظائرهم وأمثالهم في الأخلاق والطباع، كأنهنَّ شُقِقْنَ منهم، وقال الخطابي في "معالم السنن": وفيه من الفقه إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بنظيره، فإن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر، كان خطابًا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها.
كما دلَّ على مماثلة المرأة للرجل قول الله تعالى في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، وبذلك ساوت النصوص الشرعيَّة بين الزوجة وزوجها في الحقوق والواجبات وأحكامها، إلَّا أنَّ الهوان الفكري وضحالة بعض العقول تنكر على الزوجة هذا الحقَّ، وتُقصِر حقوقَها على النفقة، وتختصر واجباتها في خدمة الزوج وتربية الأطفال، بينما منح الإسلامُ المرأة مكانةً لا يُنكرها إلا جاهل، فهي الأم، أو الزوجة، أو الأخت، أو الابنة في حياة غالبية الرجال.
اقرأ أيضاً
- السيتي يفوز على توتنهام ويقترب من حصد البريميرليج
- التفسيرات الخاطئة للنصوص الدينية.. كيف يساهم الخطاب الديني في البناء الفكري للطفل والأسرة؟
- ريهام حافظ تكتب : المرأة والعنكبوت والتوت
- هناء شلتوت تكتب: ”متدين بطبعه”
- بهدف موديست..الأهلي يخطف فوزًا مثيرًا من بلدية المحلة بالدوري العام
- ماذا قال جوميز قبل مواجهة الزمالك ونهضة بركان في ذهاب نهائي الكونفدرالية؟
- ليفركوزن يقصي روما ويتأهل لنهائي الدوري الأوروبي
- تعديل موعد مواجهة منتخب مصر وبوركينا فاسو في تصفيات المونديال
- أتالانتا يفوز على مارسيليا ويتأهل لنهائي الدوري الأوروبي ويواجه ليفركوزن
- ريال مدريد يتأهل لنهائي الأبطال بعد ريمونتادا مثيرة على بايرن ميونخ
- بحضور المخرج وبطلة العمل.. العرض التجاري الأول لفيلم جحر الفئران لمحمد السمان بسينما زاوية
- الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية يوضح للشباب مقومات الشخصية المصرية
ولأنَّ ثمَّة خطًّا فاصلًا بين الإفراط والتفريط، فعلينا إمعان النظر وتدبر دور المرأة في صلاح المجتمعات لكونها عمادَ الأسرة، ومن ثمَّ فدورها فاعل في نهضة المجتمع ككل، كما علينا تدقيق النظر في النصوص الدينية القطعية التي منحت المرأة كامل حقوقها، في حين أنكرت عقول أعتى الفلاسفة عليها تلك الحقوق.
ولو استرقنا النظر إلى إحدى حقب التاريخ القديم على سبيل الدلالة لا الحصر، وتوقفنا تحديدًا أمام حقبة الحضارة الإغريقية، لهالنا كثيرًا فلسفة الحكماء اليونانيين وآرائهم حول تفسير نظام "الأسرة ودور المرأة" من خلال نظام الدولة في تصورهم، حيث يرى أفلاطون الذي وضع نواة ما أسماها بالـ "مدينة الفاضلة" أنَّ النساء يجب أن تكون مشاعًا وملكًا عامًّا للطبقة الأولى، وهي طبقة الفلاسفة والحكام، كما اقترح أنَّ الأطفال من الجنسين يجب أن يخضعوا لتربية اجتماعية، وطالب بوجود رقابة جيدة وفعالة على الأطفال الذين يخضعون للتربية الاجتماعية، وأن يتم ذلك تحت إجراءات تحول دون أن تعرف الأم أطفالها، حتى لا يحصل التمييز بين الأطفال من خلال عواطف الأمومة، وتقوم بتلبية احتياجات الرجل ورغباته.
تطرق أفلاطون أيضًا في تصوره لنظام الأسرة إلى اختيار الطبقة الثانية، وهي طبقة الشعب فينبغي من وجهة نظر ذلك الفيلسوف أن تكون الأسرة في هذه الطبقات أحادية تقتصر على الزوج والزوجة، وركز على التعاقد في مشروع الزواج وأباح فيه الطلاق.
أما الفيلسوف أرسطو، الذي عُرف بتقليله وتحقيره لمكانة المرأة ودورها في المجتمع، فقد رأى أن الأسرة هي أول تجمع تدعو إليه الطبيعة، وينبغي -من وجهة نظره- أن تتكون الأسرة من الزوج والزوجة والأطفال والعبيد، ويرى أرسطو أن الطبيعة هي التي تقوم بتحديد الأدوار الاجتماعية للأفراد المكوِّنين للأسرة، فالرجل في الأسرة هو السيد، والمرأة والعبيد في الطبقات الدنيا من المجتمع.
وقد أمعن أرسطو في ازدراء دَور المرأة في الأسرة، فأعطاها صفة الطاعة والخضوع للرجل، من خلال سلطة الزوج على الزوجة وهو أقرب إلى السلطة الديكتاتورية، كما قام بتحديد أشكال ومظاهر سلطة الرجل من خلال ثلاثة مظاهر، هي: سلطة السيد: وهي السلطة على العبيد، وقام أرسطو بتمثيلها من خلال السلطة الديكتاتورية، وسلطة الأب: وهي سلطة الأب على الأبناء، وقام أرسطو بتمثيلها من خلال السلطة الملكية، وسلطة الزوج: وهي سلطة الزوج على الزوجة، وقام أرسطو بتمثيلها من خلال السلطة الجمهورية، الأمر الذي يتناقض مع وصفها.
هكذا كانت نظرة أشهر الفلاسفة لدور المرأة في الأسرة، بينما جاءت رسالة الإسلام أعم وأشمل لنظام الأسرة، حافظة لمكانة المرأة ودَورها في تربية النشء ونهوض المجتمعات، باعتبار الأسرة المكوِّن الفطري الذي يُرضي الخالق عزَّ وجلَّ، والمحضن الأول لرعاية الأبناء، والاهتمام بهم وضبط سلوكياتهم وتشكيل قيمهم، حيث عمل الإسلام جاهدًا على أن تكون البيئة التي ينشأ فيها الفرد بيئة تقية نقية تصان فيه الحقوق، وتتحقق فيها الفضائل، بينما كان وضع الأسرة قبل الإسلام وضعًا مشينًا، لا قيمة فيه للمرأة، ولا مكانة فيه للوالدين، ولا عناية فيه بالأبناء، وليس هناك إلا القهر والاستبداد من جانب الرجل.
وليس أدل على إعلاء الإسلام من قيمة الأسرة وشأن المرأة، من تعامل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع أسرته، فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حسن معاملة الزوجة وتربيتها على الأخلاق الحميدة، ومعاشرتها بالمعروف معيارًا من معايير خيرية الرجال، فقد روى الترمذي وحسنَّه من حديث عائشة ـرضي الله عنهاـ أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، وكان صلَّى الله عليه وسلم مع زوجاته يُكرم ولا يهين، يوجه ولا يعنف، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: ما ضرب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله.
وما عاب -صلَّى الله عليه وسلم- طعامًا قط، وكان يخدم نفسه، ويُعين أهلَه، ويكون في حاجاتهم، لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أَحَدُكُمْ في بيته"، فيما قال صلوات ربي وسلامه عليه موصيًا أمَّته: "استوصوا بالنساء خيرًا".
هكذا أكرم الإسلام ورسوله المرأة "أمًّا" فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: "جاء رجل إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمُّك، قال ثمَّ مَن؟ قال: ثم أمُّك، قال: ثم مَن؟ قال: ثم أمُّك، قال: ثم مَن؟ قال: ثم أبوك".
كما أكرمها "ابنةً"، فعن أبي سعيد الخدري أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صُحبتهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ دخل الجنة"، وأكرمها "زوجة": فعن عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
وأخيرًا، لا ننسى أن الحياة أنثى، والجنة أنثى، والشمس أنثى، فأنسوا بإناثكم تنعم مجتمعاتكم.