حسام خضرا يكتب: غزة.. حرب لا تَرحَم وحِزبٌ لا يَفهَم

إن العداوة والخصومة لا يجب أن تمنعك من تقدير حجم وقدرة الخصم قبل أن تقدم على مواجهة يمكن أن تفوق تكلفتها قدراتك بمراحل كثيرة، وهذا الأمر ينطبق على حالتنا الفلسطينية، حتى أننا قد تخطينا مرحلة حافة الهاوية وأصبحنا نقف في طابور الهلاك، بسبب عدو لا يرحم ولا يتهاون مع أي تهديد بعد مغامرة السابع من أكتوبر، وحزب ديني لا يفهم أدنى مقومات العمل السياسي أوالعسكري أو حتى الديني.
وبالعودة إلى فترة وقف إطلاق النار قبل انطلاق شرارة المواجهة مرة أخرى، وبإحصاء بسيط فقد عملت حركة حماس منذ اليوم الأول لوقف إطلاق النار على إظهار نفسها بمظهر المنتصر رغم الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع وسكانه، وانصب همها منذ الساعة الأولى لوقف إطلاق النار على نشر مسلحيها الملثمين في كل مكان داخل القطاع لتوصيل رسالة واحدة مفادها "نحن اليوم التالي"، أي حماس.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تخطى ذلك بمراحل حتى أصبح القطاع واحة للقتل والقمع والتعذيب والاعتقال، فقد فقد العشرات من سكان القطاع أقدامهم برصاص ملثمي حماس بحجج وأعذار واهية، وارتفعت عمليات القتل خارج إطار القانون، كما ارتفعت نسبة الفائدة على التحويلات المالية إلى أكثر من 25 في المئة، وارتفعت بورصة الأسعار إلى أعلى مستوى لها في التاريخ الإنساني، وأخيراً وليس بآخر طالبوا عائلات الشهداء قبل أيام بدفع الديون المترتبة للبلديات على ذويهم الذين قضوا في حرب لم يختاروها أو يوافقوا عليها.
بل ولم ينتهي الأمر إلى حد الخسائر المادية بل حاولت الحركة الانقلاب على الصف العربي الذي لطالما ناشدته بالتدخل، وفتحت قناة اتصال مباشرة منفردة مع الولايات المتحدة الأمريكية وسخرت ماكينتها الإعلامية لترويج هذه الاتصالات مع الإدارة الأمريكية على أنها انتصار من انتصارات الحركة، لكن هذا الانتصار لم يدم طويلاً وانقلب إلى كابوس يتحمله الآن سكان القطاع بعد أن سقط منهم مئات الشهداء في أقل من أربع وعشرين ساعة بعد أن قررت إسرائيل وبمباركة أمريكية أن تجدد ضرباتها على القطاع بهدف الضغط على حماس لتسليم ما تبقى من الرهائن والتنازل عن حكم القطاع الذي يبدو أن الحركة ليست مستعدة لتنفيذه حتى وإن كان الثمن حياة مليوني مواطن يعيشون في القطاع ويتعرضون لكل أنواع القهر والضغط والخذلان في كل لحظة.
إن حركة حماس أصبحت عبئاً ثقيلاً على الفلسطينيين وقضيتهم، لا بل أصبح عبئ وجودها واستمرارها يفوق عبئ حق اللاجئين وتحرير الأسرى وإقامة الدولة الفلسطينية لما أصبح وجودها يمثله من هلاك للفلسطينيين بسبب منظومتها السياسية الحمقاء التي تعتمد على أوهام لا أساس لها، بل حتى أنهم أعلنوها صراحة بأن رهانهم الحقيقي هو دماء الفلسطينيين والضغط العالمي الذي يتعاطف مع القضية بسبب تلك الدماء.
وبمتابعة ردود الفعل من سكان القطاع بعد تجدد الحرب يمكننا أن نصل إلى نتيجة مفادها أن سكان القطاع أصبحوا على دراية وعلم بأن الحركة أصبحت مؤشراً خطيراً يحمل في طياته الكثير من صافرات الإنذار التي تنبه إلى أن القضية الفلسطينية أصبحت في طريقها للتصفية بسبب هذه الحركة التي لا يوجد بداخلها رجل رشيد، ولا ننسى مقولة الرئيس المصري الراحل أنور السادات حين قال أن الجماعات الإسلامية يجب أن تحاكم بتهمة الغباء السياسي، لكن ما هو السبيل إلى محاكمة كل هؤلاء الذين تسببوا بكل هذا الدمار والخراب والموت في وطن يذبح يومياً من الوريد إلى الوريد دون سبب واضح سوى الحفاظ على بقاء حماس وعناصرها في سدة الحكم.