ياسر خفاجي يكتب: قبول الآخر.. الشيطان يعظ !!
لم يسلم أحد في العالم من خطابات الكراهية، خاصةً عندما تتعارض الآراء المختلفة مع وجهة نظرنا لحماية آرائنا الخاصة، ولكن الأمر بات مثيرًا للدهشة، عندما نرى ألسنة الغرب تتهم شعوب العالم الإسلامي بالطائفية وتلهب ظهورهم، رغم أن العالم بجميع مكوناته ما زال يعاني من العنصرية والطائفية المتجذرتان اللتان تشكلان حجر الزاوية في تدمير ثقافة تعظيم القيم الإنسانية من عدم التمييز ونشر ثقافة التعددية والتعايش المشترك مع الآخر.
فرقتنا المناصب، والألوان، وتعدد الأعراق، والديانات، والطبقات المجتمعية، والثقافات المختلفة، والمظاهر الخارجية، والمذاهب، وأتساءل هل يقبل الغني التعايش مع الفقير، أو القوى مع الضعيف.. إلخ، أتذكر هنا مشهدًا مر عليه أكثر من 13 عامًا عندما قال أحد أثرياء بلدتنا ضاحكا لوالدي: "عمر الديل ما هيبقى راس"، بعدما التحقت بكلية الإعلام جامعة الأزهر بينما التحق شقيقي الأكبر بكلية الهندسة.
الإسلام جاء ليعزز قيم الأخوة وقبول الآخر والتعايش في سلام والتأقلم مع مختلف الشعوب مهما كان اختلافهم، وأزال الفوارق بينمها كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس جميعا سواسية كأسنان المشط، وأنه لا فرق بين عربي وعجمي ولا فضل لأحمر على أسود إلا بتقوى الله رب العالمين وطاعته.
رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لنا أروع الأمثلة في التسامح والصفح، عندما عفا عن أهل مكة حينما قال لهم: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: أخ كريم وأبن أخ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم: "أذهبوا فأنتم الطلقاء"، فضلا عن إبرامه العديد من المعاهدات مع غير المسلمين من بينهم يهود المدينة ونصرى نجران وبني النضير، للعيش في جوٍّ هادئ مسالم مع من يجاورونهم من القبائل والبطون، مما يوضح وجود هذا الفكر التعايشي منذ بداية نشأة الدولة الإسلامية.
اقرأ أيضاً
- وزير الأوقاف : مؤتمر التعايش والتسامح وقبول الآخر يبعث رسالة داخليه لعلماء الدين والمثقفين والمعلمين بأهمية ثقافة التعايش
- البابا تواضروس: التسامح هو أسلوب حياة وعندما يكون الإنسان لديه طاقة التسامح يبني على مفهوم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير
- رئيس جامعة الأزهر : أن الإسلام قضى على التفرقة العنصرية وهدم بنيانها و أزال الفروق بين الطبقات الاجتماعية
- مكتبة الإسكندرية تشهد انطلاق مؤتمر «التعايش والتسامح وقبول الآخر.. نحو مستقبل أفضل»
- البابا تواضروس الثاني يؤكد رفضه التام لأي تصريحات تتعلق بقضايا الزواج الإنجيلي
- ”ثقافة الحوار وقبول الآخر” ندوة تثقيفية بالبحيرة
- «الميدان» تهنئ الدكتورة فاتن خفاجي بمناسبة خطبة نجلتها فداء الوصيف
- ” المواطنة وقبول الآخر” في ندوة بمشاركة رجال الدين الإسلامى والمسيحى بمركز مغاغة بالمنيا
- «الميدان» تهنئ المقدم طيار عماد البكري بمناسبة ترقيته
- هل «كورونا» من علامات الساعة؟
- ندوة حول "المواطنة وقبول الآخر" بمركز العدوة بالمنيا
- «الميدان» تنعى وفاة المحامي أحمد يونس
ثقافة قبول الآخر تكتسب منذ الطفولة وحتمًا ستقود العالم إلى التغيير المأمول، فنحن بحاجة ماسة إلى تعزيز إنسانية الإنسان، والتحرر من ثقافة أنك دائمًا الأفضل، وأن الآخر ليس عدوا لنا، فهل سيتحرك العالم وينتفض لتغيير وتعديل السلوك الإنساني للنهوض ببني البشر نحو غدٍ مُشرق أم سيبقى الوضع على ما هو عليه.
جال في عقلي الآن نقاشًا دار بين أحد زملائي الطلاب وأستاذي في الجامعة حينما كنت طالبا، طرح الأستاذ على الطالب العديد من الأسئلة من بينها هل ترى أن عائلتك هي الأكبر والأقوى في بلدتك؟، هل ترى أن محافظتك هي الأفضل والأجمل؟ فأجاب: نعم، ليعمم التساؤل على عدد كبير من الحاضرين في قاعة المحاضرات، ليرد الجميع على عجل بنفس المنطق، حينها قال الأستاذ كلنا عنصريون!!
إشكالية عدم تقبل الآخر آفة كل العصور فهو المعنى الحقيقي للتطرف لأنه يخلق حالة من الاستقطاب داخل المجتمعات وتقسمها وتفتتها، ولا سبيل لمواجهة ثقل العقل الذي يعوق انطلاق الأمم والأفكار السامة والسلبية المثبطة للعزائم والقاتلة للتقدم إلا برفع الوعي الجمعي لإنشاء مجتمع عادل يتمتع بالسلام في ظل تنوع مفردات المجرة.
دعنا نختلف في كل شيء إلا إنسانيتك التي كرمها الحق دون تمييز مصداقا لقوله تعالى: ولقد كرمنا بنى آدم، فالاعتراف بالداء يضعنا صوب الدواء، ولا نريد أن ندفن رؤوسنا في الرمال، فالجماعات المتطرفة أساءت فهم الدين وشيطنة غير المسلمين على خلاف الفهم الصحيح للدين الإسلامي الوسطي الذي يفتح ذراعيه للجميع، كما يعاني العالم كله بمختلف أطيافه وأديانه من ظلام التطرف الديني الذي يأكل الأخضر واليابس لتحقيق مكاسب لفئات بعينها مما يزيد الطين بلة.
هناك فجوات معلوماتية أدت إلى التعصب الأعمى الذي نمضي نحوه بكل مفرداته المختلفة، لقد آن الوقت أن نضع قادة العالم أمام مسئولياتهم وإدراك أن الأمر بات أشد ضراوة وأبلغ أثرًا وعليهم أن يضعوا الحلول الناجعة للتخلص من ظاهرة التمييز ووأدها قبل أن يتطاير شررها إلى البقية الباقية دون تشويه أو تزييف، والتأكيد على أهمية مكافحة التطرف وتفشي الجهل وانتشار الشائعات بامتلاك الشعوب لأدوات الوعي من خلال إدراك قيمة العلم والثقافة.
الآخر أصابه الإعياء الشديد وربما تقاسمت التجاعيد وجهه حزنا على ما أصابه مما سطرته الأيام من كثرة الأطروحات والأحاديث التي لم تدخل بعد حيز التنفيذ، الآخر يئن ألمًا مما يتعرض له من قسوة خطابات الكراهية، فأغيثوا الآخر وضافروا الجهود لإصلاح ما حدث من شروخات عميقة في برواز التعايش معه وإنقاذه من براثن القهر والظلم والموت البطيء، أخرجوهم من دوامة الإحباط والركود الممل.
ولا شك أن التعليم سيظل هو الخير الأول والملاذ الآمن الذي نعول عليه للخروج من هذا النفق المظلم، فالعلم يذيب الفروقات بين بني البشر، ويُبني المجتمعات على أرضٍ خصبة وراسخة لا تجرفها أمواج الأحقاد والضغائن العاتية.