النعامة العربية :أول حيوان عربي يصل إلي الصين
د.همام وانغ قوانغيوان
النعامة العربية، في دروب طريق الحرير العتيق، لم تكن مجرد طائر مهيب، بل كانت سفيرًا فريدًا يمد جسور التواصل بين حضارتي الصين والعرب. عبرت هذه الطيور الصحاري والجبال، منتقلة من شبه الجزيرة العربية ومنطقة فارس إلى الصين، لتصبح شاهداً حياً على التبادل الثقافي. كانت النعامة أكثر من مجرد معجزة في عالم الطبيعة، بل رمزا للاحترام والتقدير المتبادل بين حضارتين.
في القرن الثاني قبل الميلاد، بدأ المؤرخون الصينيون بتسجيل هذا الطائر الغريب القادم من الغرب البعيد. ذكرت سجلات "شيجي" و"هانشو" طائرا من بلاد "تياوتشي"(المنطقة العربية الحالية)وصفته بأن بيضه يشبه الجرة الكبيرة. أطلق الصينيون عليه اسم "العصفور الكبير" أو"الماجق الكبير" ،وفي عهد الإمبراطور وو من هان (140-87ق.م، (دخل لأول مرة كهدية إلى الحديقة الملكية "شانغلين".
مع مجيء عصر تانغ(618-907م) ، أصبحت صورة النعامة العربية أكثر وضوحا.
اقرأ أيضاً
- الصين تتربع على عرش العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بعد الإطلاق الرسمي لـ DeepSeek
- عيد الربيع في الثقافة الصينية :المعني والمدلول
- الحديث عن مشاعر عيد الربيع عند الصينين
- جمعية الصداقة المصرية الصينية تلتقي وفد مقاطعة قواندونغ
- السفارة الصينية لدى القاهرة تتقدم بخالص التهانى للمصريين والجالية الصينية لحلول عيد الربيع وسط علاقات مثمرة بين مصر والصين
- كيف ينبغي للصينيين والعرب التعامل مع وصفهم ب” الآخر”من الغرب؟
- فصل جديد في الشراكة الصينية -الافريقية
- الرئيس الصيني يشدد على أهمية مكافحة الفساد
- بكين:منظمة الصحة العالمية تؤكد خلو الصين من فيروس جديد..والشائعات تهدف لإثارة المخاوف
- الخارجية الصينية: مستعدون لتعزيز التعاون في إطار بريكس الكبرى
- وانغ يي: الصين ستتعاون مع إفريقيا لتعزيزالحزام الشمسي
- يانج : ستتحرك الصين ومصرفى العام الجديد نحو هدف بناء مجتمع مصير مشترك
في عام650، قدمت مملكة توخارا هدية لبلاط تانغ وهي نعامة بارتفاع سبعة أذرع. بدأ الصينيون باستخدام اسم "توونياو"، المشتق من اللغة الفارسية الوسطى "أوشتورمورغ" التي تعني حرفيا طائر الجمل. وترك هذا الطائر الغريب أثرا في الأدب الصيني، حيث نظم الشاعر الشهير لي باي قصيدة عنه:
نعامة خريف بوبر المخملية
نادرة في الأرض والسماء
دجاجة الجبل تخجل من الماء
لا تجرؤ على مقارنة ثوبها
أشعار لي باي، رغم ما فيها من مبالغات، تعكس بحيوية فضول الناس وإعجابهم بهذا الطائر الغريب في ذلك الوقت. فلم تكن النعامة مجرد حيوان نادر، بل أصبحت رمزا للانفتاح والتسامح الإمبراطوري. وفي مقابر أباطرة أسرة تانغ، يمكن رؤية منحوتات النعامة الحجرية الرائعة، وخاصة المنحوتات في مقبرة الإمبراطور غاو تسونغ.
في الحقيقة، ظلت النعامة منذ عهد أسرة هان وحتى عصر أسرة مينغ هدية ثمينة يقدمها الحكام العرب لأباطرة الصين، في تقليد عريق امتد لقرون عديدة.
واستمرت هذه العلاقات الدبلوماسية عبر القرون، فخلال عهد أسرة مينغ، كان حكام شبه الجزيرة العربية، وخاصة أمراء مكة والمدينة، على علاقات وثيقة مع الصين. وخير مثال على ذلك ما حدث في عام ١٤٩٠م، حين قام ملك مكة السلطان أحمد بإرسال بعثة إلى الصين قدمت لإمبراطورها هدايا قيمة ضمت خيولا وأحجارا كريمة ونعاما.
احتلت النعامة مكانة مهمة في الثقافة العربية. تعكس أسماء الأماكن العربية مكانة النعامة الرمزية، فهناك بلدة "نعام" في وسط نجد بالسعودية، ومنطقة "النعامة" في سلطنة عُمان، وولاية "النعامة" في الجزائر. هذه الأسماء لا تعني مجرد وجود الطائر، بل تشير إلى أهميته كرمز للصمود والقوة في الثقافة العربية، حيث ارتبط اسمه بالأرض والتاريخ عبر امتداد جغرافي واسع.
رغم أن الصينيين اعتقدوا في البداية أن هذه الطيور قادرة على ابتلاع النحاس والحديد، وحتى"رؤية النار”، فإن هذه الأساطير تعكس مدى فضولهم واحترامهم للعالم العربي البعيد.
دخول النعامة العربية ليس مجرد قصة انتقال حيواني، بل شهادة حية على التبادل الثقافي بين الشرق والغرب.
اليوم، عندما نستعرض هذا التاريخ، تصبح النعامة أكثر من مجرد رمز للصداقة، بل جزء من التراث الثقافي المشترك.
إنها شاهدة على الحوار الحضاري في طريق الحرير القديم، وتقدم رؤى ثمينة للتبادل الثقافي بين الصين والعالم العربي.