د,لو ينغ بوه يكتب : رؤية من المنظور الديني للشعب الصيني إلى الحرب التجارية الأمريكية

تعتقد الماركسية أن وجهات النظر الدينية للإنسان يتم تحديدها من خلال مجموع كل العلاقات الاجتماعية التي يواجهها. إذا شبّهنا "الموت" بالنهر، حيث تكون الحياة الدنيا هي هذا الشاطئ والآخرة هي الشاطئ الآخر، فإننا نستطيع أن نفترض أن المنظور الديني للشعب الصيني يتجه نحو هذا الشاطئ (الحياة الدنيا)، حيث إن أغلب سلوكياتهم الدينية تهدف إلى إشباع رغباتٍ معينة في هذه الدنيا، ولا يكادون بشكل كبير أن يتخيلوا الخلود في الجنة في الآخرة في منظور الديني الإسلامي.
لوْ لَمْ توجد الجنة، فكيف يستطيع الصيني مواجهة الخوف الذي يجلبه الموت وملأ الفراغ الذي يخلفه بعد الموت؟ من الممارسات الشائعة بين الشعب الصيني تكريس حياتهم لقضية أعظم، وهذا من أجْل تعزيز قيمة حياتهم في الدنيا القصيرة وتعظيم مكانتها، هذا هو المفهوم الصيني التقليدي المتمثل في "تكريس الذات للوطن". كما هو الحال في الإسلام، فحب الوطن من الإيمان أيضًا. ونحن نوجه هذا الإيمان إلى قضايا عظيمة مختلفة، مثل الحرب الكورية التي وقعت قبل 75 عاما، والتي نطلق عليها أيضًا "حرب مقاومة العدوان الأمريكي ومساعدة كوريا الشمالية". ولقد دارت هذه الحرب في ظل حالة من عدم التكافؤ الكبير بين القوات العسكرية لكلا الجانبين، حيث كان الجيش الأمريكي مجهزًا بأحدث الأسلحة في ذلك الوقت، ومزودًا بآلاف الدبابات والطائرات المقاتلة، وكان يتمتع بـ"السيادة الجوية" المطلقة، في حين لم يكن لدى الجيش الصيني سوى بنادق عفا عليها الزمن وعددٌ قليلُ من القنابل اليدوية، وفي نهاية المطاف، نجح الجيش الصيني في إجبار الجيش الأميركي على التراجع إلى الجنوب من خط العرض 38. إن انتصار الجيش الصيني في الحقيقة هو انتصار العقيدة، فنحن أكثر اقتناعًا من الأميركيين بأن قضيتنا هي القضية الصحيحة، وحظينا بتأييد مئات الملايين من أبناء الشعب في داخل البلاد، ونحن "نجابه الموت برباطة جأش" ونعتبره عودة إلى البيت. في ساحة المعركة الكورية، لم يكن الجنود الصينيون خائفين من الموت، ليس لأنهم يمكنهم التمتع بالجنة الأبدية بعد الموت، وليس بسبب الأنهار الأربعة التي لا تتوقف عن التدفق، وليس بسبب الجواري الاثنتين والسبعين تحت أشجار النخيل، بل لأن "موتهم" قد جعل لـ"الحياة" معنى أعظم. ومنذ ما يقرب من ألفيْ عام، قال المؤرخ الصيني سيما تشيان: "إن كل الناس سيموتون حتما، غير أن بعضهم سيموت موتا أخف من الريشة، وبعضهم سيموت موتا أثقل من جبل تاي".
واليوم، وبعد مرور خمسة وسبعين عامًا من انفجار الحرب الكورية، أطلقت الولايات المتحدة مرة أخرى ما يسمى بـ"الحرب التجارية" ضد الصين (بل حتى العالم أجمع) في محاولة "لإعادة تشكيل الأوضاع الاقتصادية العالمية". وأُجبر الصينيون مرة أخرى على الوقوف في ساحة المعركة على القدر نفسه من التمسك بالحق الذي لا يتزعزع والشجاعة. وفي هذه الحرب، وكما حدث عندما قصفت القوات الأمريكية الحدود الشمالية الشرقية للصين بكل وقاحة قبل خمسة وسبعين عام، فإن الشركات الصينية سوف تعاني بالتأكيد من خسائر، تماماً مثل ما سقط قرابة مائتي ألف جندي صيني في ساحة المعركة الكورية. ولكن إذا كانت الولايات المتحدة تريد القتال، فسوف نقاتل معها حتى النهاية، وكما قال الرئيس ماو تسي تونغ من قبل، فإن هذه الحرب لا يمكن أن تتوقف إلا بعد "أن نغلب عليهم غلبًا تامًا". وقبل خمسة وسبعين عامًا، لم تكن الصين التي كانت فقيرة ومتخلفة آنذاك تخشى الولايات المتحدة أبدًا، واليوم، وباعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم ومتفوقة تكنولوجيًا وعسكريًا، لم يعد لدى الصين أي مبرّر يدعوها إلى خفض رأسها الشامخ. وسواء أكانت حربًا تجارية أم حربًا تكنولوجية، أكانت حربًا باردة أم حربًا ساخنة، فهي في الجوهر معركة إرادة ومعركة عقيدة. قد لا نعرف حقيقة ما يواجهه الناس بعد الموت، لكننا نعلم أن معنى حياة الإنسان لا يمكن أن يتجلى حقًا إلا عندما يندمج في مصير الوطن، هناك مثل صيني مشهور جدًا يقول: "كيف لقطرة الماء ألا تتبخر أبدا، ضَعْها في البحر." إن ملايين الصينيين على استعداد لدمج مسار جهودهم الخاصة في مسار تنمية الوطن، فإن القامة الشامخة لأسلافنا منذ خمسة عقود من الزمان لا يمكنها أن تنحني اليوم.
وإذا نظرنا إلى هذه القضية بشكل أكثر عقلانية، فإننا نعتقد أن طريق الصين للخروج من المأزق يكمن في البلدان النامية الشاسعة، وخاصة العالم العربي، ويتمثل ذلك في استخدام "التواصل والتفاهم بين الشعوب" لإحياء شريان الحياة الاقتصادي لدول "الحزام والطريق"، وكسب الثقة المتبادلة من خلال الصداقة التقليدية ومجالات التنمية المشتركة، ومشاركة شفرة الصين للتصنيع مع الدول العربية، وكسر احتكار الدول المتقدمة للتكنولوجيا المتطورة. وفي واقع الأمر، فإننا نتقاسم هدفاً "مشتركاً" مع الولايات المتحدة ألا وهو إعادة تشكيل الأوضاع الاقتصادية العالمية، ولكن المشهد الجديد الذي نؤسسه غير ما يشتهيه الأمريكيون والذي ينتمي إلى الغالبية العظمى من الدول النامية وإلى جميع دول الجنوب وإلى كل الشعوب التي تعاني وتكافح في هذا العالم، دعونا نتكاتف ونؤسس معاً عالماً جديداً منشودًا، وكل هذا يذكّرني بالقول العربي المشجع: عبثا أن تحاول اقتحام السماء قبل أن تجعل أرضك سماء.
اقرأ أيضاً
خبير: الصين تنتج 30 مليون سيارة سنويًا
الجامعة المصرية الصينية تشارك في المؤتمر الجغرافي الدولي
معيشة الشعب أولاً: جوهر التحديث الصيني النمط
منطقة بوآو شبه الخالية من الكربون: نموذج صيني للتحول الأخضر
العالم يركز على الصين
ممثلو القاعدة الشعبية: رواد ممارسة الديمقراطية كاملة العملية
محمد عبدالعظيم يكتب :السفير عاصم حنفي نموذج سنفتقده في بكين
التركيز على قضايا معيشة الشعب: الممارسات المبتكرة لمكافحة الفساد في الصين وقيمتها الدولية
ترامب: لا أعتقد أن الصين ستقوم بإجراءات انتقامية ضد التعريفات الجمركية
وزيرة خارجية كندا: مستعدون لمواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية
فيلم ”نه تشا2”يقود تاريخ السينما الصينية إلى ذروة الايرادات
جولد بيليون: تصاعد الحرب التجارية يدفع الذهب للصعود وفي مصر يصل 4140 جنيها
د,لو ينغ بوه
أستاذ بقسم اللغة العربية في جامعة اللغات والثقافة ببكين